المثقفون بين معوقات تواجههم ودورهم الفاعل

هناك عدد كبير من أهل الثقافة من الذين لا يعملون فى وزارة الثقافة، لكن ميولهم الثقافية جعلتهم يُنشئون مؤسسات ثقافية أو فنية وجمعيات ثقافية فاعلة، يقدمون فيها جهدًا كبيرًا يَصب فى نهر الثقافة فى مصر منذ عقود طويلة.. ولكن بنظرة سريعة على أحوال الجمعيات الثقافية الحالية سنجد أنها تواجه صعوبات كثيرة قد تؤدى إلى تعثرها أو تقليص دورها، بل ووقف أنشطتها تمامًا.
إن دعم الثقافة فى مواجهة أخطار التطرف والإرهاب والتشدد التى تواجه بلدنا ومنطقتنا ليس ترفًا يمكن الاستغناء عنه، أو كماليات يمكن استبدالها بأشياء أخرى.. إنها ضرورة قصوى وأساس لتشكيل وعى وفكر مجتمع يتطلع إلى التطور والتنمية وبناء دولة مستنيرة وحديثة.
إن الثقافة ليست ترفًا.. إنها ضرورة حياة فى مواجهة جحافل ظلام ولا تكفى المواجهة الأمنية للقضاء عليها.. بل لا بد إلى جانب المواجهة الأمنية لمحاربة الإرهاب من كيانات توجهه وتتصدى له بالفكر المتطور وبالتعليم المتطور وبالثقافة والفنون الراقية، وبما يشكل تيار وعى يتصدى لكل الممارسات المتطرفة والفتاوى والدعاوى الظلامية.. ومن هنا تأتى أهمية انعقاد مؤتمر الجمعيات الثقافية والتنمية المستدامة الذى أقيم فى القاهرة على مدى ٣ أيام بمقر المجلس الأعلى للثقافة، والذى شاركت فيه بكلمة حول رأيى فى الوضع الراهن للعمل الثقافى فى مصر.
والحقيقة المؤكدة هى أنه مؤتمر مهم، لأنه لفت النظر من خلال المشاركين فيه إلى الصعوبات التى تواجهها الجمعيات الثقافية الفاعلة فى السنوات الأخيرة، وما تعانيه من تجاهل دورها الفاعل والمهم، مما جعل البعض منها يتعثر فى أداء دوره المهم فى مسيرة التنوير، وبما يهدد بوقف أنشطتها وعطائها فى نهر الثقافة المصرية.
إن قوة مصر الناعمة لا بد أن تلقى الرعاية والمساندة والدعم من الدولة ومن الحكومة، نظرًا لأهمية دور المثقفين الوطنيين فى مواجهة أفكار وفتاوى وممارسات الظلاميين الذين يملأون الإعلام والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت بالإشاعات المغلوطة والدعوة للعودة إلى الوراء، وتمويل دعاة يبثون أفكارًا مغلوطة، ويقومون بعمليات غسل مخ للشباب، ويدعون إلى تحريم الثقافة والفنون باعتبارها رجسًا من عمل الشيطان.
إننا فى حاجة إلى دعم دور المثقفين وتقدير دورهم من أجل استمرار مسيرة التنوير فى بلدنا، ولا بد من دعم هذا الدور المطلوب من جانب الدولة فى مواجهة الأخطار التى تحيط بنا، ولا بد أن تنتبه الدولة إلى أهمية هذا الدور، لأنها فى حاجة إلى جهود المجتمع المدنى الوطنى فى القضاء على الإرهاب والأفكار الظلامية.. ولا بد أن تدرك الدولة أهمية هذا الدور فى التصدى للإرهاب الفكرى، الذى تمارسه جماعات الظلام وأتباعهم حاليًا ومنذ سنوات.
إننا فى حاجة إلى تيار ثقافى وفكرى مستنير يكون بمثابة جبهة قوية وحائط صد فى مواجهة أفكار الإرهاب والتطرف والتشدد التى نواجهها فى بلدنا وفى منطقتنا العربية.. إن الإجراءات الأمنية ضرورية ومطلوبة وأساسية، لكن لا بد أن تتزامن معها جبهة تصدى قوية تفند أفكار التطرف وتنشر الثقافة والتنوير والفنون الراقية فى كل مكان.. إن الدولة لن تتمكن أجهزتها بمفردها من تشكيل هذه الجبهة المطلوبة، ففى الدول الحديثة سنجد أن المجتمع المدنى يقود عملية التنوير، ويقوم بممارسة الثقافة والفنون من خلال مؤسسات متخصصة وجمعيات وكيانات تقوم بالأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية، ويدعمها رجال الأعمال ومحبو الفنون والثقافة بكل أشكالها وأنواعها.
وإذا أردنا أن نستكمل أركان الديمقراطية فإنه لا بد أن تقوم الدولة ورجال الأعمال بتقديم الدعم للكيانات الثقافية والفنية، التى تواجه تجاهلًا وإهمالًا كبيرين لدورها من جانب الدولة.. ومن أهم ما استطاع أن يسفر عنه مؤتمر الجمعيات الثقافية والتنمية المستدامة أن شارك فيه العديد من المثقفين ورؤساء وأعضاء الجمعيات الثقافية والفنية المهمة، وافتتحه بكلمة مهمة د. سعيد المصرى، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، ود. أحمد نوا، رئيس المؤتمر وممدوح أبويوسف، أمين عام المؤتمر، ومن المشاركين د. عز الدين نجيب، ود. نبيل حلمى، ود. إقبال السمالوطى، ومحمد رطيل، وصفوت ناصف، وسامح إسماعيل.
وطالب المثقفون جميعا، خلال الجلسات النقاشية، بفصل الجمعيات الثقافية عن وزارة التضامن الاجتماعى. نظرًا للمعوقات التى يضعها الموظفون أمام أعضائها. ومن التوصيات المهمة ضرورة إتاحة حرية الرأى والإبداع فى إطار شرعى وحقوقى.. ومن التوصيات المهمة أيضًا إنشاء اتحاد نوعى للجمعيات الثقافية، بالإضافة إلى ضرورة توفير دعم مادى ومعنوى للجمعيات الثقافية من جانب وزارة الثقافة لتؤدى دورها الثقافى الفاعل فى التنمية المستدامة وفى نشر التنوير، والاعتراف بالجولان سورية والقدس عربية واستقلال المؤسسات الثقافية بذاتها عن أى مؤسسات أخرى.
والحقيقة أن هذا المؤتمر فى اعتقادى هو بمثابة جرس إنذار جاء فى وقت مهم لينبه الدولة والحكومة إلى أهمية دور المثقفين، وضرورة دعم المؤسسات والجمعيات الثقافية العديدة المحبة للوطن، مادامت تقوم بدورها الوطنى فى النهوض بالثقافة والفنون فى مصر.
ومن الضرورى أن تتنبه الحكومة الحالية إلى أهمية الإنصات إلى المعوقات التى تواجهها هذه الجمعيات وإفساح الطريق أمامها لتمارس دورها المطلوب فى مرحلة بناء دولة حديثة ومستنيرة، إن الثقافة هى ركن من أركان تقدم أى مجتمع.. ولا بد من أن تقوم الدولة بحفظ كرامة المثقفين، الذين يقومون بدورهم الوطنى فى نشر الفنون والثقافة الراقية، فلا يصح فى دولة تتقدم نحو مستقبل أفضل أن يتسول المثقفون الدعم المادى لأداء دورهم الضرورى والفاعل ضد التطرف والإرهاب.