نعم للتنوع.. وألف لا للتفرقة
لقد شاء الخالق في حكمته أن يكون الناس مختلفين، أو بلغة أفضل متنوعين، والتنوع مريح للنظر وصالح للحياة، فالزهور ألوان، والطيور أشكال وأحجام، والفضاء بين شمس النهار ونور القمر والنجوم، وفي الأرزاق أغنياء وفقراء وبين الأغنياء فروق شاسعة تترجم على شكل عدد من الأصفار تساند ما بينها من أرقام تترجم ما بين العشرات والمئات في بدايتها، ثم تتصاعد الأرقام حتى يصعب على العين ترجمتها، وبالتالي تدوينها بآلاف ثم ملايين ومليارات وما يفوق ذلك بمراحل.
ومع ثقافتنا وبقدر معرفتنا بقيمة المال في حياتنا اليومية فقد تصل الأموال إلى مصدر للقلق والخوف الذي يصل بدوره إلى أمراض نفسية تؤثر سلبا على حياة أصحاب الأموال الطائلة ما لم يحسنوا استخدامها وإعانة من ليس لهم ما للأغنياء، فبدلا من تبادل المنافع واستخدام المال في مكانه الصحيح لا في المصارف والمخازن مع تقديرنا لدور المصارف في حفظ الأموال واستخدامها لصالح البشرية لا سيما ولم تعد المصارف كما كانت قبل ما يزيد على الخمسين عاما حتى صارت معظم البنوك مملوكة للدولة، أو على الأقل تخدم مصالح الشعوب.
أما تنوع البشر بين أغنياء وفقراء وبين مرضى وأصحاء وبين متعلمين وغير متعلمين فهذه طبيعة البشر - وإن تميزت بعض الدول حتى شمل تعليمها نسبة تصل إلى حد الكمال أي مائة في المائة من شعوب تلك الدول التي صنفت بالعالم الأول - ودول أخرى يطلق عليها العالم الثالث - ولم نسمع عن ما يمكن وصفه بالعالم الثاني وكأن الفجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء بين دول العالم ومن ثمٍّ انقسمت الدول لتنمتي إما إلى دول العالم الأول أو دول العالم الثالث.
ومع شديد الأسف والأسى فالدول الغنية تقدمت في كل مجالاتها التعليمية والصحية والثقافية في وقت تزداد دول العالم الثالث فقرا وجهلا ومرضا وبالتالي تكثر معاركها الداخلية بين الفقراء والأغنياء والمتعلم والأمي وبين جيل الشباب والشيوخ.
والفقر ليس العدو الوحيد في نكبة دول العالم الثالث بل حدث ترابط أو تزاوج بين الفقر والجهل والمرض ومن هذا الإرتباط ولد التعصب تحت ستار من الدين، والدين منهم براء.
أما ضحايا هذه الأهوال فهم النساء والأطفال، ففي دراسة للأمم المتحدة عن أعداد الذين بلا مأوى حول العالم في عام ٢٠٠٥ فقد قُدٍّر بمائة مليون نسمة. أما من تنقصهم الحياة الكريمة وفق دراسة أجريت عام ٢٠١٥ فيقدر بنحو ١.٦ بليون تنقصهم مساكن آدمية لائقة. ويختلف مفهوم من لا مأوى لهم من دولة إلى أخرى، فهناك أعداد يعيشون في مخيمات وغرف من الصفيح، وأعداد أخرى يأويهم أقرباء أو أصدقاء، ومن الأمثلة الصارخة في دولة بوركينا فاسو حيث خمسة وأربعون في المائة من السكان – أي ما يعادل عشرين مليون نسمة - يعيشون تحت خط الفقر، وأكثرهم معاناة هم الأطفال من عمر ستة أشهر وحتى تسعة وخمسين شهرًا – أي من هم دون سن الخامسة - ويضاف اليهم الشيوخ، فهم أكثر الفئات تضررا حيث لا يجدون طعامهم أو علاجهم خاصة في المناطق القروية. ذلك وفقا لتقرير برنامج الغذاء لعام ٢٠١٨.
كما يشير التقرير إلى دولة الكاميرون حيث يرتفع أعداد المشردين بلا مأوى، مضافا إلى بلواهم العنف، والأسوأ هو الفيضان الذي شرد خمسة وعشرين ألفا ليصبحوا هم أيضًا بلا مأوى.
أما عن مصر المحروسة فيسجل التقرير أن خمسة عشر مليون نسمة يعيشون في مناطق عشوائية، ونحو نصف هذا العدد يقيمون حول القاهرة. جاء ذلك في تقرير لهيئة هابيتات العالمية.
لاشك أن مصر - رغم كل هذا - هي بلد له تاريخ. وتاريخها ليس فقط في التماثيل والقبور ومنها الاهرامات التي تشهد بعمق وأصالة المصريين عبر حقب متعاقبة، ولكن تاريخها يشهد عن ماض عريق تلهث لمشاهدته شعوب العالم، فحضارة مصر قبل الحضارات، وشبع شعبها حتى في زمن الجفاف والمجاعات لشعوب محيطة، كما في زمن يوسف الصديق، وعلى الجانب الاخر كانت مصر عبر العصور تخرج من كبوتها وتستكمل حضارتها، وهذا ما نرجوه لها في القريب العاجل بفضل الله اولا وقيادة آلت على نفسها أن تبذل الجهد والعرق لإقامة مصر من كبوتها والنهوض بشعبها للقدر الذي تستحقه، كل هذا بفضل الله الذي وعد: "مبارك شعبي مصر."
إن نهضة أي بلد تقوم على أكتاف شعب آل على نفسه أن يزرع الخير ليحصد خيرا وفيرا ويبني ما تهدم بفعل الزمن أو بفعل أعداء الخير وهم كثرة في كل ركن من أركان العالم، فالقادة لشعوب واعية وللشرور مقاومة، وللخير مجندة، وبمعونة الله الذي هو مصدر كل خير تبني ما تهدم، وتحقق أحلام أبنائها لتعود مصر حلم الملايين من شعوب العالم، ويحلمون أن يرونها، فقد درسوا تاريخها القديم وفُتِنوا به، فأهلا بهم في تاريخها الجديد بوحدة شعبها وجهد شبابها وحكمة قيادتها.