من هو سفاح نيوزيلندا؟
لقد نقلت لنا وكالات الأنباء بعض اللقطات من جريمة شيطانية شنعاء حصدت أرواح أبرياء وهم سجود، لا يحملون سلاحًا ولا يضمرون شرًا لأحد، منهم الطفل الذى ركع ساجدًا بجوار أبيه، ومنهم الكهل المسن، والجميع لا يضمرون كرهًا لأحد، بل جاءوا من بلدان شرقية عربية هربًا من حروب داخلية بين أبناء وطن واحد يقاتلون بعضهم بعضًا، واثقين أن بلدًا مثل نيوزيلندا شعبه لا يتعدى خمسة ملايين لا تهددهم حروب أو كروب ولا يضمرون شرًا، بل فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لإخوة فى الإنسانية بغض النظر عن عقيدتهم أو مذهبهم شأنهم شأن الغالبية العظمى من دول الغرب.
أما الحادث الذى أزعج العالم المتحضر فهو قتل عدد ليس بقليل لمصلين فى مسجدين، والفاعل واحد يطلق النار دون اعتبار لطفل فى صحبة والده أو كهل، حتى بدا المشهد وكأن طفلًا يلهو بلعبة مهاجمًا مسجدين فى إحدى مدن نيوزيلندا ويقتل بدم بارد عشرات من المصلين، معظمهم من المهاجرين واللاجئين الفارين من جحيم الحروب والكروب فى بلدانهم، واثقين فى شعب طيب مضياف، وإذ بشاب يفسد أمة بسلوك همجى يقتل ويصيب بلا رحمة، الأمر الذى أزعج جمهور الشعب من حاكم إلى عامة الشعب، الأطفال قبل الكبار والنساء قبل الرجال، حتى فتحت الكنائس أبوابها للجميع، وتم القبض على القاتل الذى يتطلع العالم المتحضر كله لمعرفة الدافع الذى حوّل هذا الشاب إلى وحش كاسر يقتل بلا شفقة أناسًا آمنين.
وهنا ظهر من أطلق عليه أنه ينتمى إلى اليمين المتطرف، وهو تيار سياسى لا علاقة له بالدين من بعيد أو قريب، حتى ولو كان المنادين به من ينتمون إلى ديانة، أو لا يتبعون أى ديانة وهم كثرة. فمن يظن مثلًا أن كل أمريكى إما مسيحى أو يهودى هو مخطئ، فاليهود أقلية لا يتجاوز تعدادهم اثنين فى المائة، والمسلمون قرابة الواحد فى المائة، أما الذين لا ينتمون إلى أى ديانة فنسبة تعدادهم قرابة الاثنين والعشرين فى المائة، والكل عائش لأنه لا توجد خانة فى البطاقة اسمها الديانة، كما فى العديد من بلدان الشرق، ولا تمثل ديانة أى إنسان فى هذه المجتمعات الأجنبية أى أهمية ولا تحظى بالفضول أو الاهتمام من أى شخص آخر، فالمعنى الوحيد بها هو صاحبها نفسه. وكم حاولنا حذفها من البطاقة، فكانت المعارضة شديدة، ظنًا أن التدين فى البطاقة أهم من الممارسة الصحيحة فى حياتنا، كشهادات علمية كثيرة أغلبها على الأوراق الثبوتية.
عودة إلى العنف فى أشكاله المختلفة، والذى يبدأ من التربية المنزلية واستخدام العنف مع الأطفال، حتى وصلت درجاته إلى الموت أو التعذيب البدنى الذى يقترب من القتل أحيانًا، ثم يبدأ الأطفال فى مدارس تسمع فيها ما يشبه الشعار «العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة»، وتسمع وصية الوالدين للمعلمين «اكسر ضلعًا، فيبقى ثلاثة وعشرون ضلعًا آخر».
كما يشاهد الأطفال عنف الرجال ضد زوجاتهم، ومع الأسف انتقل هذا الأسلوب إلى المواعظ التى تتلى فى دور العبادة. وبعد كل هذا نلوم الشباب لأنهم يمارسون العنف وقد تربوا عليه وتعلموه حتى رأيناه وقد ارتدى ملامح الوعظ والإرشاد، فهل آن الأوان لتغيير أساليب التربية، وهى عديدة، منها التشجيع الإيجابى والحب الأقوى من كل أسلحة التعذيب، بل قيل إن المحبة أقوى من الموت، فقد آن الأوان أن نزرع حبًا يثمر نقاوة وأمانة فى الأخذ كما فى العطاء.
متى تراجع مناهج التعليم التى لا تشجع على الحب للجميع دون تفرقة اجتماعية أو دينية أو عقائدية مهما بلغ الاختلاف أو التعدد بلا خلاف أو كراهية من أجل أجيال قادمة تحتاج إلى الاحتضان، لا الكره والعزلة والعدوان، وإن كان متدثرًا فى زى العقائد والأديان. نعم نحتاج إلى مواجهة حقيقية لإصلاح ما فسد، بداية من مناهج التعليم، وانتهاء إلى منابر الوعظ حتى تسود روح الحب والعطاء بدلًا من الكره والبغضاء.