لماذا يتقدم الغرب ويتراجع الشرق؟
سؤال يتردد على الأذهان بين الحين والحين، لا سيما أن الشرق لا ينتج سيارة أو طائرة، وينفق المليارات الدولارية وسائر العملات الغربية ليس فقط على شراء الطائرات والسيارات، بل وحتى مقابض قصوره وأدوات طعامه إن لم يكن أطباق الطعام والطعام ذاته.
يحاول علماء النفس تحليل الشخصية، ليصلوا إلى اكتشاف الفروق الشاسعة، فمنهم من يلقى التبعة على الثقافة والتعليم اللذين لا ينتجان إنسانًا قادرًا على استخدام ما منحه الله من عقل يفكر وأيدٍ تنتج، مع أننا لسنا أقل من إنسان الغرب إذا أتيحت الفرص بذات الوصف كما هو متاح لأطفال الغرب، فأطفالنا لا يولدون بلهاء، ولكن عوامل التربية وكذلك التعليم قضيا على جُلّ ما ولدوا به، وهناك أمثلة كثيرة فى أكثر من بلد أوروبى أو أمريكى شهدت هذه الدول بكفاءة المصرى ولا حاجة لذكر الأسماء، فهى لأعلام بعضهم رحل والبعض لا يزال على قيد الحياة- أطال الله فى أعمارهم- فقد رفعوا اسم بلادهم وما زال منهم ما يعطى من جهد وعلم ومعرفة.
كما يرى بعض من علماء النفس أن أبناء منطقة الشرق وبناتها، يميلون إلى تضخيم الذات لا سيما من منحه وطنه بعضًا من العلم، حتى انتفخت الذات وتناقص العلم وقلّت المعرفة، على عكس علماء الغرب، كلما زاد علمهم زاد تواضعهم، ولم يكتفوا بما وصلوا إليه حتى قيل إن من لا يجدد علمه ويراجع معرفته تسحب منه رخصة مزاولة الطب أو العلوم، لهذا نرى فى كل عيادة طبية أعدادًا من الشهادات التى حصل عليها الطبيب فى مجالاته، وتاريخ هذه الشهادات يدل على متابعة هذا الطبيب أو هذه الطبيبة لكل جديد.
أما الأمر الآخر والأهم هو الفارق الذاتى، ففى الغرب لا تفرّق كثيرًا بين الجراح الكبير والممرضة التى تعاونه، بل وفى تجربة شخصية صححت الممرضة مقولة الجراح وقالت بكل ثقة: «أنا أقول وليس الطبيب».
أما الأمر الآخر الذى أفارق فيه الغرب عن الشرق، أن الشرقى لا يميل إلى المخاطرة أو السفر بعيدًا عن دفء العائلة، وفى الغرب لا يستريح الشباب والشابات من البقاء فى البيت «منزل العائلة»، بل يحاولون اختيار الجامعات الشهيرة مهما بعدت مسافاتها حتى اغتربت الابنة الوحيدة لوالديها، لتدرس فى جامعة خارج الدولة التى فيها والداها لشهرة الجامعة الأوروبية فى ذات التخصص الذى تبغيه، فمفهوم الفوارق بسبب الجنس أو الجنسية غير موجود، بل الاختيار هو للأفضل، عكس ما نحن عليه فى الشرق، الفتاة فى رعاية الأب أو الأخ ولو كان يصغر أخته بأعوام، ومن الأمثال التى أكل عليها الدهر وشرب «ظل رجل ولا ظل حيط».
الطالب الغربى والأمريكى يميل إلى حمل المسئولية منذ صباه مهما اختلف قدر ثروة والديه، وقد يكون الابن الوحيد لوالدين ثريين، ولكنه لا يشعر بكرامته إلا من عمله واجتهاده حتى قرر أحد الآباء التبرع بكل ما عنده لمؤسسات خيرية حسب رغبة الابن الذى لم يُرد مالًا لم يتعب فيه هو بعلمه وجهده. إنه يعرف كيف يبدأ، ويقدر عمله، ويقول فخورًا: شكرًا لوالدىّ، ولكننى أريد أن أقول لابنى إن ما يحتاجه هو من تعب والده حتى يكبر هو على ذات الطريق، فلا يتراخى عن الاجتهاد والعمل كما فعل الآباء والجدود.
وأختم حديثى بسطور لمواطن عربى يقول فيها: «كيف أتقدم وأنا لا أستطيع أن أحصل على ورقة إدارية إلا بعد أن أدفع رشوة تسهّل علىّ أمرى، وكيف أتقدم إلى إدارة عمومية وهى مغلقة فى وقت العمل، أو الموظف غائب وهو الوحيد الذى بيده الأمر، ويقول لقد مللت من التباطؤ والمماطلة حتى أحصل على ورقة أحتاجها إلا بطرق ملتوية. ويقول آخر كيف تنهض أمة والمواطن فيها غريب لا يدرى شيئًا مما حوله إذا قيده مغفر الشرطة للتحقيق فى مسألة هو برىء منها حتى تثبت إدانته، وهو يشبعه من الضرب واللطم والصعق والركل وكأنه ينفذ فيه عقوبة على ذنب لم يقترفه».
ويضيف ذلك الشاب «أنه إذا مرض وأراد أن يعالج نفسه فى أحد مستشفيات بلاده خرج منها أمرض مما دخلها، وبالإضافة إلى مرضه العضوى يكون قد لحقته جراء المعاملة الجميلة التى تلقاها أمراض نفسية مزمنة».
وإحقاقًا للحق أقول لذلك الشاب: ليس كل ما عانيت منه هو قاعدة فى كل بلد من بلداننا، وهناك أطباء أكفاء، وإن ربما نقصتهم القدرات والإمكانات، وكما يقول المثل العربى «الجودة بالموجود». وعلينا ألا نستسلم للسلبيات ونبذل الجهد فى العمل بأمانة وصدق من أجل أخوة فى الإنسانية، مدركين أن الأمانة فى العمل والإخلاص فيه بكل الجهد هو واجب، وإن لم يلْقَ المكافأة اللائقة، فالله لن يضيع جهدًا مخلصًا وعملًا أمينًا، آملين عبور الشرق من الأزمات إلى فرص أفضل لنفع الإنسانية، لتضاهى الغرب، وإن كان الفارق بين الغرب والعرب نقطة واحدة فى أبجدياتنا العربية.