عنصرى وأفتخر
الجيش خاض حربًا على الأرض وفى ساحات وأروقة رابعة الانفصالية ولكن أين معركة التنوير ضد الظلام والتنطع؟
التعديلات الدستورية المرتقبة تثير الكثير من الجدل بين مبارك ومعارض، هجاء شتام ويزايد كل طرف على الآخر كما هو معتاد ومتعارف عليه كنوع من أنواع الإقصاء والاستقطاب الذى أدمناه حتى ثملنا ونؤثره دومًا ولا نؤثر السلامة، فيدعى طرف أنه هو الأحق بل والأكثر وطنية ويفعل غيره ونقيضه ذات الشىء ويحذو حذوه ويوصم من يعتبره خصمًا له بالعمالة أو الخيانة وما خصوم لنا فى حقيقة الأمر سوى أنفسنا.
نحن الخصوم ونحن الشياطين والعملاء أيضًا، نفنى طاقاتنا فى صراعات صغيرة بلا طائل ونترك الهم الأكبر وننسحب من معاركنا المصيرية الحقيقية التاريخية الكبرى من أجل مزايدة هنا أو مغنم صغير هناك.. نظنه جل الأمانى وبه يصلح الحال والمحال صراعاتنا دومًا صغيرة وحروبنا أيضًا صغيرة وبلا جدوى أو طائل ثم نبكى ونتباكى على ضياع القضايا الكبرى وانصراف الشىء والجيل الجديد عنها.
هل تذكرون ماذا فعلتم يا سادة بالدولة العلمانية التى قدمت - ومازالت تطرح- النموذج الأفضل بل والأمثل - على اتساع المجرة- للدولة بمفهومها العمودى.. فتجسد تلك الدولة أسمى وأصدق معانى الليبرالية بلا ازدواجية أو اختلال فى المعايير.. تلك الدولة التى علمنها فولتير فأحسن علمنتها فقررت ذات يوم أن تقضى على رموز التعصب الدينى فى مدارسها وجامعاتها ومصالحها الحكومية ليسمو ويعلو شأن الوطن والدولة على أى شىء آخر.. فيصبح الكل سواسية.. ولا فضل لهذا على ذاك،
هل تذكرون ماذا حدث وقتئذٍ؟
لقد قام العالم الاسلامى عن بكرة أبيه من أجل التصدى للهجمة الشرسة على دين الإسلام عندما منعت فرنسا الرموز الدينية «الصليب وطاقية اليهود وحجاب المسلمين» وعلى قدم المساواة فحول المتشدقون تلك النزاهة وذلك الرشد وتلك الوجاهة لمعركة وساحات للتراشق والتشظى قادها المحارب المغوار، وأقصد الشيخ «يوسف القرضاوى» القابع فى أحضان دويلة قطر والذى ظن فى يوم ما.. بل وفى غفلة من الزمن أنه سيصبح خومينى مصر وفقيه ثورة ٢٥ يناير المفوه.. فخطب فى الجماهير ليؤسلم الثورة وملح أرضها ويجر البلاد للحكم الدينى لولا تصدى السلاح المقنن متمثلًا فى الجيش.. وفض اعتصام هؤلاء المرتزقة فى معركة وطنية سيشهد التاريخ للجيش إنقاذه للبلاد من مغبة الحكم الدينى، ولولا ما حدث لكان ولكنا نحيا الآن فى نظام حكم يقترب فى فحشه من حكم طالبان وبوكو حرام والحازمين والضباط الملتحين، وكأننا نعيش فى تورا بورا أو كابول، ومن سينظر من نافذة بيته فلن يرى مصر بل سيشعر أنه فى قندهار.
ولكن.. هل هذا كافيًا؟
الجيش خاض حربًا على الأرض وفى ساحات وأروقة رابعة الانفصالية، ولكن أين معركة التنوير ضد الظلام والتنطع واللزوجة التى تزاحم على استحياء فتطل الأحزاب الدينية علينا بمخالفة صريحة وفجة للدستور دفعت قادتها للتزيد فجرأوا على رفض مدنية الدولة وكوتة المرأة وكل المكتسبات التى منحها إياها القانون، متذرعين بأن تلك القوانين الإنسانية المنصفة هى قوانين «سوزان وجيهان»، وسيظل القوس مفتوحًا لكم متنوعًا لا ينتهى من سطوة الأفكار الظلامية التى تهدم فكرة الدولة فى الصميم ولا ترسخ للتعايش السلمى وحقوق المواطنة وقبول الآخر، تعديل الدستور أمر قد يكون وجيهًا بل حتميًا لو يعلم الكثيرون، فسنن التطور وقوانين السيرورة تفرض دومًا أن يعدل ويصوب المرء ما يراه هزيلًا عليلًا.. فهل تطرق المشرع والمختصين للمواد سيئة السمعة، التى تدحض تمامًا فكرة الدولة بل وحقوق المواطنة والعيش الكريم وتطعنها فى الصميم؟.
هل اهتم هؤلاء المعنيون بالقضاء على مواد التمييز والاستقواء والاستعلاء التى تمارس عادة من طرف على حساب الآخر، هل اهتم المشرع بأن تتماشى بنود الدستور مع الإعلان العالمى لحقوق الانسان الذى يمنع التمييز العنصرى والدينى، وتوجد فى الدستور مادة تتحدث عن دين الدولة!! وبالتالى تقول وتعلن وبتنطع وفجاجة لا مثيل لها.. إن الغلبة للأغلبية!! وبالتالى تجور تلك الأغلبية على بقية المواطنين وتعتدى عليهم وعلى حرياتهم وبيوتهم ودور عبادتهم، متكئين على دستور يحمى تلك الأغلبية ولا يحمى غيرها.. دستور يرسخ للتمييز الدينى ويهدم أسس الدولة المتعارف عليها ويشرع للجور والغلو ويعطى أحقية وحصانة لمؤسسة تجور وتتجاوز حدودها وصلاحياتها دومًا لشئون لا تعنيها فتقوض إبداع هنا وتحجب بحثًا هناك وتكفر هذا وتسجن ذاك وتمنع كتابًا ما من التداول وتحجب فيلمًا سينمائيا حتى وفاة صانعه! وتمارس عمومًا وعادةً شتى أنواع القمع البغيض، متذرعة بالدين وبالدستور الذى يرسخ للحكم الدينى والدولة الدينية بل ويرسخ ويشرع لسطوة تلك المؤسسة على الدولة ذاتها لتصبح هى ربما دولة داخل الدولة، وبالتالى نخلق ونستنسخ تجربة تعانى منها لبنان، وستظل تعانى وأقصد بالتجربة ما تعانيه لبنان من تشرذم وتشتت بسبب سطوة كيانات وتكتلات عديدة منها أو على رأسها الكيان الذى أطلق على نفسه اسم وصفة، مفادها أنه هو «حزب الله» الذى احتكر الله!! وجعله له وحده.. وكأن غيره من الكيانات والأحزاب والتكتلات لا علاقة لها بالله بعد أن صار حكرًا لحزب ما دون غيره!! وبهذه الطريقة تهدر قيم عديدة مثل قيمة العدل والمساواة وتصاب المواطنة فى كبدها وتقف تلك المؤسسة كعقبة أمام رئيس الدولة، وسعيه لإحداث أى تطور أو تقدم!!.