الوزير الخلوق وحادث حريق محطة مصر المروّع
لا شك أن حادث حريق محطة مصر لا يكفيه مقال فى سطور، لا لأنه أودى بحياة عدد كبير من مسافرين أو مودعين لا ذنب لهم، فقد اختاروا أفضل وسائل النقل لا فى مصر وحدها بل فى غالبية دول العالم، وصحيح أن أحداثًا جرت فى بعض من قطاراتنا نتيجة إهمال عامل مزلقان نسى غلق بوابة مرور قطار، فأحدث تصادمًا بين قطار وسيارة عبرت، ونسى العامل غلق بوابة عبور الطريق ليصدم القطار سيارة أو بشرًا يعبرون المزلقان.
أما أن يتشاجر سائقان فيترك أحدهما قاطرته فى وضع الحركة ليعاتب زميلًا له قد تعداه أو عاداه، وليحترق جمهور ممن وضعوا ثقتهم فى مرفق من أهم مرافق البلاد قاطبة وليحترق البشر والحجر وتنتهى القضية بخطأ مهنى قد تكون عقوبتهما فصلًا من عملهما أو حبسًا لمدة تطول أو تقصر، أما الأبرياء من أبناء مصر فقد لقوا حتفهم أو منهم من يتعافى من الحريق وسيعيش بقية عمره مشوهًا متألمًا ربما حسد الموتى الذين لقوا حتفهم.
أما استقالة الوزير الإنسان الذى لم يحتمل فداحة الجريمة الكبرى، ورغم أن مسئوليته أدبية لا جنائية. فشهادة رقابته وقيادته تعلن عن جهوده وحركة عمله، فهو لا يكتفى بإشرافه على مرفق بحجم وسائل نقل غالبية الشعب المصرى. فملايين من المواطنين والسائحين ينتقلون بوسائل النقل وأهمها قطارات سكك حديد مصر، ولكن الوزير الإنسان لم يستطع تحمل حرق آمنين وضعوا ثقتهم فى أهم مرافق النقل وأكثرها سلامة وأمانًا من وسائل النقل الأخرى برًا وبحرًا وجوًا، فتحية وتعزية لوزير النقل الإنسان، وعزاء لأسر فقدت صغيرًا أو كبيرًا فقدوا الحياة فى أبشع صورة للموت اشتعالًا، مع دعائنا للمصابين أملًا فى أن يلقوا كل رعاية جسدية ونفسية حتى يعودوا لأسرهم سالمين.
ومع أنه من المحال جمع لبن انسكب على تراب، إلا أن هناك دروسًا يمكن الاستفادة منها حتى لا تتكرر مآسٍ أخرى. فقد تواترت أخبار عن تكدس العمالة بهذا المرفق الحيوى حتى قيل إن العاملين به قرابة ثلاثة أرباع المليون، وربما كان حجم العمل لا يحتاج لأكثر من نصف أو ربع هذا العدد، والأعداد الكبيرة الزائدة ليست امتيازًا لتيسير عمل مرفق حيوى كهذا، بل تخلق ارتباكًا فى مرفق بحجم سكك حديد مصر، وما تشاجر السائقين أو العاملين إلا صورة من صور كثرة العمالة وصعوبة الرقابة، والنتيجة إزهاق أرواح آمنة وثقت فى المرفق، ودفعت لا مالًا، بل حياتهم فى أبشع صورة، فى لهيب نار، منهم من مات ومنهم من يعيش متألمًا مشوهًا بقية أيام عمره.
وحتى لا يمر الحدث كغيره من الأحداث المروعة، فلا بد أن تعاد دراسة هيكل العمل فى هذا المرفق، حتى لا يبقى غير من يحتاجهم العمل مع توزيع الباقين على مواقع أخرى وذلك حتى يمكن متابعة من يحملون أعباء العمل بشكل أكثر يسرًا. وتعويض أسر المسافرين الذين خسر ذووهم حياتهم، بعد أن دفعوا ثمن تذكرة سفرهم، وهذه حقوق واجبة يفرضها القانون. فقد دفعوا أجر سفرهم لمرفق غيّر مسارهم من جهات عملهم أو ديارهم، فبدلها مرفق السكك الحديدية إلى المقابر بأبشع صور الموت.
أما المصابون فى أماكن العلاج، الذين ندعو لهم بالشفاء، فإن لهم فى عنق المرفق وعنق مصر حكومة وشعبًا أن يتلقوا أفضل الوسائل لعلاجهم جسمانيًا ونفسيًا مهما كانت تكلفة ذلك العلاج سواء فى مصر أو خارجها، فهم جزء من جسد هذا الوطن، وثقوا فى مرفق نقلهم ودفعوا أجر نقلهم لا قبرهم، ولا يحتمل الضمير الإنسانى آثار هذا الحادث الجلل، ومرة أخرى تحية لوزير رقيق المشاعر لم يسترح ضميره فى البقاء فى موقعه، فحمل المسئولية. ليت من فى مواقع أكثر مساءلة وأقرب إلى موقع العملية الرهيبة، أن يحذوا حذو وزيرهم أو يواجهوا منصة القضاء بدعاوى الإهمال الجسيم فى الرقابة والإشراف على هذا اللهو أو الشجار بأدوات نقل بشر لا ذنب لهم إلا ثقتهم فى مرفق نقلهم ولم يضعوا فى حسبانهم مثل هذا الإهمال الجسيم.
وحتى لا يمر الحادث مرورًا سريعًا ينسينا إياه حدث آخر مماثل أو فى صور مغايرة، وتكون نتائجه أشبه بهذه البلوى، لا بد من إعادة هيكلة مرافق مصر الحيوية، وليكن عرض العاملين فى كل هذه المواقع على أطباء نفسيين قبل التعيين وأثناء العمل على فترات متقاربة، مع تغليظ العقوبة فى حالات الإهمال أو التعاطى قبل وقوع الكوارث. وينطبق كل هذا على العاملين فى مرافق النقل البرى أو الجوى، وقد كان هناك حادث جوى مماثل بسقوط طائرة راح ضحيتها عدد ليس بقليل، ولم نسمع عما أُجرى من خطوات استباقية ضمانًا لسلامة المسافرين بكل وسائل النقل برًا وبحرًا وجوًا، وفى الدول التى تحرص على سلامة البشر يراقبون قائدى المركبات الخاصة والعامة حتى لا يقود أحدهم مركبة وهو متعاطٍ خمرًا أو ما يماثله مما يؤثر لا على سلامة السائق فقط، بل على سلامة عابرى الطريق. فهل نرى فى بلادنا رقابة استباقية قبل حدوث كوارث بشرية؟.