عبدالوهاب داود يكتب: الفتنة أشد من القتل والوطن ألا يحدث ذلك كله
«أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن ألا يحدث ذلك كله»
كلنا تقريبا قرأنا هذه العبارة، حتى من لم يمسكوا كتابًا لغسان كنفانى فى يوم من الأيام، وهى العبارة التى وردت على لسان بطل روايته «عائد إلى حيفا»، وأصبحت واحدة من أيقونات وسائل التواصل الاجتماعى، يتداولها الجميع، ويعيدون نشرها، دون أن يفهم جوهرها أحد، أو حتى يحاول البحث عن إجابة لماهية المقصود بعبارة «ذلك كله».
ما أسهل أن تكون معارضًا، مشمأنطًا من كل ما تأتى به الحكومة، أى حكومة، وأى نظام، خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعى، التى أصبحت تضج بآلاف الصفحات المزيفة، والتى لا يعلم بها إلا «مارك زوكربيرج»، وكثيرون يجدون فى المعارضة والسباب طريقًا سهلًا للحصول على «الإعجابات»، و«المشاركات»، دون أن يعلم صاحب «البوست» أو المنشور شيئًا عن هؤلاء الذين يشاركون منشوراته، ويتداولونها، أو ما هى ميولهم، وأفكارهم، وتوجهاتهم، فكلما زاد العدد، زاد شعوره بالشهرة، والأهمية، بينما حقيقة الأمر أنه هو الصيد لا الصياد، وهو صيد لو تعلمون، سمينٌ وثمين للجماعات الإرهابية، وعناصر التنظيمات التى لا تتوقف لحظة عن محاولات هدم الدولة المصرية، واستهداف الأرواح بالقتل، والتشريد، وأنه بعبارات يظنها لوجه الحقيقة، ووجه الوطن، أشد فتكًا وأكثر إيذاء لنفسه، وأهله، وأبنائه.
والحقيقة أننى على يقين من أن النهوض بالحياة فى مصر، وإعادة بناء الدولة، لن يتسنى لأى رئيس، أو وزير، دون تغيير حقيقى فى ثقافة المجتمع، وآليات علاقته بالسلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ودون وعى جماعى بمعنى الدولة، وأهمية الحفاظ عليها، والمشاركة الفاعلة فى النهوض بها، وحمايتها من التنظيمات والجماعات التى تستهدف هدمها، وتقويضها ليل نهار، ودون شفافية كاملة فى آليات صنع القرار، وعدالة فى إنفاذ القانون. لن يتم دون وعى كامل بفكرة الشراكة فى الوطن، والأرض، والممتلكات، وهذه النقطة على وجه التحديد، ربما كانت هى الأهم، والأولى بالمراعاة، والتركيز. وإلا فقل لى ماذا يدفع صبيًا، فى مقتبل العمر، إلى تمزيق المقاعد فى وسائل النقل العام، سوى إحساس دفين بأنه ليس ملكًا له؟، أو بأن ممتلكات الدولة لا تخصه، وليس شريكًا فيها.. هو من يدفع تكلفتها، ومن صُنعت من أجله؟.
ماذا يدور فى عقل شاب يلاحق السائحات فى شوارع القاهرة، وغيرها من المدن السياحية، بنظرات الشهوة، وعبارات التحرش الفاضحة، أو الكراهية؟.
تقول أحدث إحصائيات السكان فى مصر، إن عددنا، تبارك الله، قد تجاوز المائة مليون منذ سنوات، منهم ٣٥ مليونًا على الأقل من الشباب، أى فى سن العمل. فقل لى، أثابك الله، ماذا يفعلون فى يومهم؟ وماذا هم منتظرون؟ ومن أين تسرب إليهم ذلك الشعور بالإحباط، واليأس من إمكانية إصلاح الأحوال؟
يقول الواقع إن حياتنا كلها أصبحت قائمة على الاستيراد، منذ أن تحولنا إلى مجتمع مستهلك، لا ينتج أى شىء يمكن تصديره إلى دول العالم من حولنا. وتقول الإحصائيات، إننا نملك، سوقًا استهلاكية لا يمكن مقارنتها، إلا بعددٍ محدود للغاية من دول العالم.. مائة مليون فمٍ، لابد أنها «تأكل الزلط»، فماذا فعلنا بالزراعة؟ لماذا يفكر رجل فى تبوير قطعة أرض شديدة الخصوبة ليبنى عليها بيتًا، فيما تترامى من حوله الصحراء لا تجد من يسكنها؟ حتى تحولت الرقعة الزراعية إلى مجرد شريط ضيق، وخانق، بل إن أسعارها باتت تستعصى على الملاحقة، والتحجيم، كنتيجة للإقبال منقطع النظير على شرائها، بهدف التبوير والبناء والإهدار.
ما عدد مصانع المنتجات الغذائية التى أنشأناها؟ أو التى تعمل على الإنتاج، أى إنتاج؟.
من أين تأتى الجرأة للعاملين فى الصناعة للحديث عن الخسارة، أو المطالبة بإجراءات لحماية المنتج المحلى؟ دون أن يسألوا أنفسهم: لماذا يخسر منتج فى مثل هذه السوق إن لم يكن لصًا، أو «غشاش»؟.
بقليل من التفكير، سوف نكتشف أن هذه الحال لا تقتصر على الزراعة أو الصناعة والسياحة فقط، لكنها تمتد إلى أنشطة الحياة كافة، فى كل شىء، بلا استثناء، فهل نحن فعلا بحاجة إلى قرارات سيادية لحماية الدولة والنهوض بها؟ أم أن احتياجنا الرئيسى، والأكثر إلحاحًا، إلى شىء آخر؟.
يقينى أن الإجابة أبسط من مجرد التفكير فيها.. نحن بحاجة إلى مجتمع يعمل وفق عقلية وتصورات جديدة، ترفع من الوعى بقيمة الدولة، وأهميتها، وترسخ لمعنى الشراكة فى الوطن، وألا يكون هو إحدى الأدوات فى أيدى من يستهدفون زرع الفتنة، وتأجيج نيرانها، ويستهدفون دمارنا، وجرنا إلى الوراء.
نحن بحاجة إلى مجتمع يدرك أن الفتنة أشد من القتل، فيقف فى وجه كل إرهابى جبان، وكل مخرب، عابث بأمن بلادنا.. يقف فى وجه كل كذاب، منافق، وكل متحرش، أو مرتش، أو حتى غير مبالٍ بما يحدث من حوله.
نحن بحاجة إلى شباب يبدأ يومه بالتفكير فى الإنتاج، أى إنتاج، وإلا أصبحنا كما كنا طوال نصف القرن الأخير، «عالة على العالم».
باختصار.. نحن بحاجة إلى ألا يحدث ذلك كله.
ما أسهل أن تكون معارضًا، مشمأنطًا من كل ما تأتى به الحكومة، أى حكومة، وأى نظام، خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعى، التى أصبحت تضج بآلاف الصفحات المزيفة، والتى لا يعلم بها إلا «مارك زوكربيرج»، وكثيرون يجدون فى المعارضة والسباب طريقًا سهلًا للحصول على «الإعجابات»، و«المشاركات»، دون أن يعلم صاحب «البوست» أو المنشور شيئًا عن هؤلاء الذين يشاركون منشوراته، ويتداولونها، أو ما هى ميولهم، وأفكارهم، وتوجهاتهم، فكلما زاد العدد، زاد شعوره بالشهرة، والأهمية، بينما حقيقة الأمر أنه هو الصيد لا الصياد، وهو صيد لو تعلمون، سمينٌ وثمين للجماعات الإرهابية، وعناصر التنظيمات التى لا تتوقف لحظة عن محاولات هدم الدولة المصرية، واستهداف الأرواح بالقتل، والتشريد، وأنه بعبارات يظنها لوجه الحقيقة، ووجه الوطن، أشد فتكًا وأكثر إيذاء لنفسه، وأهله، وأبنائه.
والحقيقة أننى على يقين من أن النهوض بالحياة فى مصر، وإعادة بناء الدولة، لن يتسنى لأى رئيس، أو وزير، دون تغيير حقيقى فى ثقافة المجتمع، وآليات علاقته بالسلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ودون وعى جماعى بمعنى الدولة، وأهمية الحفاظ عليها، والمشاركة الفاعلة فى النهوض بها، وحمايتها من التنظيمات والجماعات التى تستهدف هدمها، وتقويضها ليل نهار، ودون شفافية كاملة فى آليات صنع القرار، وعدالة فى إنفاذ القانون. لن يتم دون وعى كامل بفكرة الشراكة فى الوطن، والأرض، والممتلكات، وهذه النقطة على وجه التحديد، ربما كانت هى الأهم، والأولى بالمراعاة، والتركيز. وإلا فقل لى ماذا يدفع صبيًا، فى مقتبل العمر، إلى تمزيق المقاعد فى وسائل النقل العام، سوى إحساس دفين بأنه ليس ملكًا له؟، أو بأن ممتلكات الدولة لا تخصه، وليس شريكًا فيها.. هو من يدفع تكلفتها، ومن صُنعت من أجله؟.
ماذا يدور فى عقل شاب يلاحق السائحات فى شوارع القاهرة، وغيرها من المدن السياحية، بنظرات الشهوة، وعبارات التحرش الفاضحة، أو الكراهية؟.
تقول أحدث إحصائيات السكان فى مصر، إن عددنا، تبارك الله، قد تجاوز المائة مليون منذ سنوات، منهم ٣٥ مليونًا على الأقل من الشباب، أى فى سن العمل. فقل لى، أثابك الله، ماذا يفعلون فى يومهم؟ وماذا هم منتظرون؟ ومن أين تسرب إليهم ذلك الشعور بالإحباط، واليأس من إمكانية إصلاح الأحوال؟
يقول الواقع إن حياتنا كلها أصبحت قائمة على الاستيراد، منذ أن تحولنا إلى مجتمع مستهلك، لا ينتج أى شىء يمكن تصديره إلى دول العالم من حولنا. وتقول الإحصائيات، إننا نملك، سوقًا استهلاكية لا يمكن مقارنتها، إلا بعددٍ محدود للغاية من دول العالم.. مائة مليون فمٍ، لابد أنها «تأكل الزلط»، فماذا فعلنا بالزراعة؟ لماذا يفكر رجل فى تبوير قطعة أرض شديدة الخصوبة ليبنى عليها بيتًا، فيما تترامى من حوله الصحراء لا تجد من يسكنها؟ حتى تحولت الرقعة الزراعية إلى مجرد شريط ضيق، وخانق، بل إن أسعارها باتت تستعصى على الملاحقة، والتحجيم، كنتيجة للإقبال منقطع النظير على شرائها، بهدف التبوير والبناء والإهدار.
ما عدد مصانع المنتجات الغذائية التى أنشأناها؟ أو التى تعمل على الإنتاج، أى إنتاج؟.
من أين تأتى الجرأة للعاملين فى الصناعة للحديث عن الخسارة، أو المطالبة بإجراءات لحماية المنتج المحلى؟ دون أن يسألوا أنفسهم: لماذا يخسر منتج فى مثل هذه السوق إن لم يكن لصًا، أو «غشاش»؟.
بقليل من التفكير، سوف نكتشف أن هذه الحال لا تقتصر على الزراعة أو الصناعة والسياحة فقط، لكنها تمتد إلى أنشطة الحياة كافة، فى كل شىء، بلا استثناء، فهل نحن فعلا بحاجة إلى قرارات سيادية لحماية الدولة والنهوض بها؟ أم أن احتياجنا الرئيسى، والأكثر إلحاحًا، إلى شىء آخر؟.
يقينى أن الإجابة أبسط من مجرد التفكير فيها.. نحن بحاجة إلى مجتمع يعمل وفق عقلية وتصورات جديدة، ترفع من الوعى بقيمة الدولة، وأهميتها، وترسخ لمعنى الشراكة فى الوطن، وألا يكون هو إحدى الأدوات فى أيدى من يستهدفون زرع الفتنة، وتأجيج نيرانها، ويستهدفون دمارنا، وجرنا إلى الوراء.
نحن بحاجة إلى مجتمع يدرك أن الفتنة أشد من القتل، فيقف فى وجه كل إرهابى جبان، وكل مخرب، عابث بأمن بلادنا.. يقف فى وجه كل كذاب، منافق، وكل متحرش، أو مرتش، أو حتى غير مبالٍ بما يحدث من حوله.
نحن بحاجة إلى شباب يبدأ يومه بالتفكير فى الإنتاج، أى إنتاج، وإلا أصبحنا كما كنا طوال نصف القرن الأخير، «عالة على العالم».
باختصار.. نحن بحاجة إلى ألا يحدث ذلك كله.