سعادة العائلة حلم الشعوب الراقية
يشير علماء النفس بأن الشكوى المرة التي تهز كيان الأسرة ترجع إلي غياب السعادة والوئام بين أعضائها الزوجان فيما بينهما وبين الأبناء والبنات في داخل الأسرة، بل وتمتد السعادة حضورا أو تغيبا في العلاقات بين أفراد العائلة الكبيرة وبين زملاء ورفاق المجتمع.
وعلى الوجه الآخر من التعايش ينشأ القلق والفزع حتى الشكوى، ومن ما آلت إليه العلاقات داخل العائلة الواحدة متمثلة في العلاقات الزوجية حيث يلقي الزوجان مسؤولية انحراف الأبناء كل منهما على الآخر، فالزوج غائب حاضر لانشغاله بالعمل صباحا ومساء في أكثر من مجال حتى يوفر للأسرة إحتياجها، والزوجة ليست أقل انشغالا بعملها الذي يستغرق جل وقتها حتى تحقق المطلوب منها على أحسن الأحوال، وبين هذه العجلة والعجالة الدؤوب نرى الأبناء في علاقتهم الأخوية وصداقاتهم خارج دائرة الأسرة دون متابعة أو مراجعة في غالب الأحيان.
ويزيد الطين بلة حدوث خلل في التركيب الأسري بغياب أحد الأبوين إما للعمل بعيدا عن دائرة الأسرة أو بالانفصال النهائي بالطلاق أو بالوفاة، وهنا يجد الأبناء أنفسهم في واقع آخر لم يألفوه من قبل، وهنا يزيد الموقف خللا في محيط جديد قد لا يفهمه الأطفال. ومن الأمثلة الواقعية انفصال زوجين وغياب الوالد عن طفليه بين السابعة والخامسة من العمر، ثم تغير الوضع في صورة أخرى إذا تزوجت الأم من شاب لا يريد أطفالها، وهو يقيم في مدينة أخرى، فما كان من الأم إلا توصي جارتها أن توفر للطفلين احتياجهما تاركة لها مبلغا ماليا للإنفاق على الصغيرين، والطفلان كل ما يعرفانه هو أن الزوج هو أخ أمهما، ويأتيان كل أسبوع لزيارتهما وترك المبلغ اللازم لاحتياجاتهما لدى الجارة الطيبة التي تحتفظ بسر والدتهما، وهكذا تربيا الصغيران.
وانقطع تواصلي مع تلك الحالة ولكنها لم تنقطع من الذاكرة، ولم ينقطع من ذهني تساؤلي كم ستكون مشاعرهما عندما يكبران ويعرفان الواقع، وقد يظهر في الصورة أخوة لهم من زواج الأم الثاني، ولا أدري فقد يظهر الوالد الذي لا يتذكره الطفلان والذي يكون قد انشغل بأسرة جديدة وأبناء آخرين.
وماذا عن أسرة مكتملة ولكن الأبوين لا يجيدان تربية الأبناء صحيا ونفسيا وثقافيا، وما يزيد الطين بلة زيادة أعداد الأبناء رغم ضعف الثقافة التربوية وما نسمعه من أمثلة عامة ومنها "لا تستكثر أولادك على الموت " لا سيما في القرى والنجوع.
ويضاف إلى الأزمة عدم ثقافة الأسرة فلا تجيد تربية أولادها صحيا، أو نفسيا أو تعليميا مما رفع من تعداد من لا يقرأوا أو يكتبوا حتى يسربوا أولادهم من التعليم رغم علمهم بأن المرحلة الأولى تعليما إلزاميا، فهم قد يبدأوا في أول مراحل التعليم ثم يتسربوا منه لحاجة الأسرة إليهم في الأعمال التي تفرضها الأسرة عليهم في الحقول أو المصانع.
وماذا عن سكان الحضر والمثقفين من الآباء وقد شغلتهم وظائفهم طوال النهار وحتى ساعات متأخرة من الليل؟ فالأب والأم طبيبان مشهوران يخرجان في الصباح ولا يعودان إلا في ساعة متأخرة من الليل تاركان الأطفال في رعاية مربية كل همها إطعامهم وملاحظتهم حتى يحين وقت النوم، وفي عطلة نهاية الأسبوع قد تخرج الأسرة للتنزه أو الراحة في البيت من عناء عمل طوال أيام الأسبوع عدا يوما واحدا فيه يريان الأبناء، مع محاولة تدليلهم مما يعقد الأمور أكثر.
وهنا يأتي السؤال ما هي الأسس السليمة الواجب توافرها في الآباء حتى لا يضيع الأبناء؟ وعندئذ لا ينفع المال بعد اعوجاج الحال وضياع العيال. وعلماء التربية يضعون تذكرة علاجية على النحو التالي:
أولا ضرورة التواجد الأبوي والأمومي مع أبنائهم وقتا كافيا، فهم درة لا تعوض بالمال أو المركز ولا يجب إحالة كل أمورهم للمربية مهما بلغ علمها وحنانها فلا بديل عن الأبوين
ثانيا: التربية بالحب وليس بالحرب والحب ليس هو التدليل المفسد بالمال والهدايا.
ثالثا: تشجيع الآباء للأبناء والتشجيع ليس تدليلا بل توجيه في حب وليس تعويضا عن ذنب بإفساد بالمال والهدايا دون توجيه صادق واهتمام متزن.
رابعا: إتفاق الوالدين على مبادئ وقيم يحترمها الآباء كقدوة لأبنائهم وليس كمن يعلمان أضرار التدخين وهما من المدخنين غير مدركين للقول " لا تنهي عن خلق وتأتي بمثله ".
خامسا: التأديب وليس التعذيب، فكم من أباء يظنوا أن الضرب والتعذيب البدني والنفسي يصلح حالا، بل على العكس يأتي بنتائج عكسية تماما.
أبناؤنا أمانة ربانية أودعها الخالق في رعاية الآباء ومن يقوم مقامهم في حالة غياب الوالدين لعوامل قهرية كالموت لأحدهما أو كليهما.. وللحديث بقية.