عبدالوهاب داود يكتب: كفاية إن فيها «الحاجة ليلى»
على بساطة ما فعلته السيدة ليلى أحمد عبدالله، ذات السبعين ربيعًا «ونصف»، إلا أنها بعفوية مبهرة، ودون قصدية، أو تعمد، كشفت الوجوه القذرة للزياطين من مدّعى الثقافة والأدب، المتشدقين بحب الكتابة والكتاب، وهم أبعد ما يكون عن أبسط أدوات القراءة والفهم.
بل ربما لا أكون مغاليًا إن قلت إن مثل هؤلاء قد آن الوقت لإبعادهم تمامًا عن أى تماس مع المجال العام، بما أصاب نفوسهم من تشوهات، وما يبثونه حولهم من سموم، يثبت ذلك ممارساتهم الشاذة والغريبة، منذ ما قبل انطلاق العيد السنوى للكتاب، وحتى لحظة الختام، وربما يستمرون وفقًا لحسابات كل منهم، وحسب رغبات جهات التمويل، أو التحريك.
أحقر هؤلاء، الذين عرّتهم «الحاجة ليلى»، بحرصها على الحضور لمعرض الكتاب طوال ١٤ عامًا متتالية، تلك الفئة من «ممتهنى» الكتابة، الذين ملأوا الدنيا «كلامًا» عن بُعد الموقع الجديد، وعن الطوابير، والاستعلامات، وغيرها من أساليب التقليل مما حدث من إنجاز، ومحاولات تشويهه بكل يملكون من أدوات، على أن أشدهم حقارةً وانحطاطًا، كانوا هؤلاء الذين أعمتهم «الكراهية» عن أبسط حقوق الإنسان، وأكثرها بداهة، وخصوصية، وفى القلب منها حق طفل صغير فى احترام آدميته، وحمايته من «المتنمرين والأوساخ».. حمايته من هؤلاء «المنحطين» الذين شكلوا معًا طابورًا طويلًا، يبدأ بمصور «المصرى اليوم»، الذى لم يتردد لحظة فى اغتنام لحظة ضعف طفل صغير ألجأته ضخامة الموقع الجديد للمعرض إلى «التبول» فى الطريق، ففرح بغنيمته، وسارع إلى رفعها على مواقع التواصل الاجتماعى.. طفل لا يزيد عمره على السنوات الخمس!
طفل.. ربما يكون ابنى أو ابنك، لم يتمالك نفسه، فكان مصيره التشهير فى الصحف والمواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الرخيص، يتبادلها المرضى والمأجورون، والسفلة والأنطاع، على أن أسوأها على الإطلاق ما كتبه صحفى، كنت أُحسِنُ الظن به، تعليقًا على الصورة التى نشرها على صفحته التى لا أتابعها بموقع «فيسبوك»، قائلًا ما نصه:
«لما تبنى مشروع قبل البنى آدم.. تصدق سلخت قبل ما ادبح، آسف مش لاقى اسم المصور العبقرى».
والحقيقة أنه لا الكاتب ولا المصور يستحقان التعليق أو حتى الإشارة إلى اسميهما، فهما أتفه من مجرد الذكر، وسأكتفى هنا بما كتبته الصديقة الكاتبة نهى حماد على صفحتها تعليقًا على الصورة: «صحيح الطفل غلط لكن اللى شيّر الصورة دى، واللى صورها مجرمين، وبيعرَّضوا طفل لأهوال من التنمر، والمصور كان يقدر يطمس الوش بسهولة»، مضيفة: «للعلم همّا محتاجين حاجات كتير أكتر من اللى الطفل ده محتاجها علشان يبقوا مثقفين أو حتى بنى آدمين، بيفهموا، وبيحسوا، وبيحترموا حقوق وخصوصية الأطفال، وأبسط درجات الإحساس، هما كمان بعد الموقف ده ينفع نحط صورهم وفعلتهم الشنيعة على السوشيال ميديا أو صورهم فى المعرض، ونكتب برضه بضمير مستريح (لما تبنى المشروع قبل البنى آدم)، هل علشان طفل بسيط ما حسيتوش ولو للحظة إنه حرام تشيّروا صورته وتنتهكوا آدميته بالدم البارد ده؟».
فى مقابل هؤلاء، تظهر فى اليوم التالى مباشرة، تلك السيدة الفاتنة التى التقطتْ صورها، وتحدثتْ إليها الزميلة نضال ممدوح، وهى تتجول فى قاعات المعرض، غير مبالية بطول المسافة من قريتها الصغيرة بالقرب من مدينة بنها، وصولًا إلى التجمع الخامس، ولا بسنوات عمرها السبعين، يدفعها حبها للكتب والكتاب، وشغفها للمعرفة، لتلتقطها عين الصديق محمد الباز، الباحثة عن بوابات الأمل فى أرض مصر، فتحل ضيفة على الهاتف لبرنامج «٩٠ دقيقة»، متحدثة عن عشقها للقراءة، والكتاب، والكتب التى حملتها معها طوال هذه المسافة، لتضفى مساحة من البهجة والأمل على أحاديث السياسة، والسياسيين، ولا أعرف لماذا لم يتصل بها حتى الآن أى من المسئولين بوزارة الثقافة، أو الهيئة العامة للكتاب، لتكريمها، أو الحديث معها؟، وأغلب ظنى أنها وحدها من تستحق لقب «سيدة معرض الكتاب» بلا منازع، بل إننى أود أن أستغل هذه الزاوية لأدعوها لزيارة «الدستور»، واختيار كل ما تريد من كتب من مكتبتى الشخصية، ومن مكتبات الأصدقاء من كتّاب «الدستور»، يسعدنا أن نقدمها لها كهدية متواضعة، وأدعو الأصدقاء من الناشرين والكتّاب للمساهمة فى هذه الدعوة، فلمثل هذه السيدة نكتب، ولمثلها تقام الاحتفالات، ويقدم الناشرون التخفيضات، والخصومات.