المنيا وغياب الحوار الموضوعى
منذ فترة ومحافظة المنيا تحتل مركز الصدارة فى أحداث العنف الدينى والطائفى، الأمر الذى جعل الكثيرين فى الداخل والخارج يتساءلون: لماذا المنيا بالذات؟.
فى الفترة الماضية ظهرت عدة بيانات من مطرانية المنيا وأبى قرقاص، ومن مجمع المنيا الإنجيلى المشيخى، بشأن قرية منشأة الزعفرانة، وحدثت ردود فعل متباينة، وتحدث الكثيرون فى بعض الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى، ووصل الأمر إلى حد الاتهام بالتخوين والعمالة وعدم الوطنية من البعض للبعض الآخر، الأمر الذى أسف له الكثيرون من العقلاء والداعين لثقافة التنوع والتعددية.
وتعليقًا على ما حدث لى بعض الملحوظات العامة:
أولًا: إن حرية الاعتقاد وحرية العبادة وحرية إقامة الشعائر الدينية هى حقوق أصيلة من حقوق الإنسان، ويجب على الدولة التى تتسم بالحداثة أن تحافظ على هذه الحريات والحقوق لجميع مواطنيها، على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، دون تمييز.
ثانيًا: البيان الذى أصدره مجمع المنيا الإنجيلى كان ردًا على ما أثاره البعض بعدم وجود كنائس فى قرية الزعفرانة، فجاء البيان- لا ليسىء لأى أحد- ولكن ليؤكد وجود كنيسة إنجيلية منذ مائة عام، وهى فى حالة إحلال وتجديد بموافقة أمنية، وبتعاون من أهالى القرية المسلمين المعتدلين.
ثالثًا: الإنجيليون فى مصر يكنون كل احترام وتقدير للكنيسة الأرثوذكسية ولقياداتها، وكذلك لكل الكنائس المختلفة ولقادتها، ومجلس كنائس مصر هو خير دليل على وجود علاقات طيبة بين الكنائس المختلفة، وإن كنا نتمنى أن يعمل المجلس بطريقة أكثر فاعلية، لتصل روح الحب والتعاون إلى المنيا وغيرها من القرى والنجوع المترامية فى ربوع بلادنا.
رابعًا: تطبيق القانون هو من شأن المسئولين وحدهم، وليس من حق أى مواطن أو أى جماعة متطرفة أن تنصّب نفسها بديلًا عن المسئولين، لتبحث عن تراخيص أو شرعية وجود الكنائس.
خامسًا: جميع أنواع العنف التى تحدث، سواء على أساس دينى أو طائفى، هى مرفوضة شكلًا وموضوعًا، ويجب على أجهزة الدولة أن تتصدى لها بكل حزم وحسم، وتجب محاسبة المحرضين والقائمين بأعمال العنف دون مراعاة لأى حسابات، فلا بد من تطبيق دولة القانون، وفى هذا الصدد نشيد بقرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة رفيعة المستوى لمواجهة أحداث العنف الدينى.
سادسًا: صدور قانون لبناء الكنائس هو خطوة مهمة فى تاريخ مصر، وهذه الخطوة تجنبنا الكثير من الصدامات، ونتمنى أن تصدر لائحة تنفيذية تسهم بقدر أكبر فى حل مشكلة بناء الكنائس.
سابعًا: يبدو لى أن الحوار فى محافظة المنيا، بين كل الأطراف، إما غائب وإما صاخب، ولذا فأنا أتمنى أن يجلس قادة الكنيسة الأرثوذكسية مع قادة الكنيسة الإنجيلية فى جلسة ودية هادئة لتنقية الأجواء التى علاها التراب، بعد أن قام بعض الأرثوذكس فى العام الماضى بهدم الكنيسة الإنجيلية بالأبعدية بالمنيا، فالحوار الهادئ يحل الكثير من المشاكل، كما أتمنى أن تزيد الحوارات المجتمعية داخل القرى والنجوع بين المسلمين والمسيحيين لغرس ثقافة التسامح بدلًا من التعصب، وثقافة التعددية بدلًا من الأحادية، وليدرك الجميع أنه لا معنى للوجود دون الإنسان الآخر على اختلاف دينه أو لونه أو جنسه، فالأحادية لا تصنع إلا أفولًا وذبولًا، والعصفور الواحد لا يصنع ربيعًا، والزهرة الواحدة لا تصنع بستانًا.