مصير المتمردين والآثمين
وهل يغير الكوشى جلده أو النمر رقطه؟.. عبارة قديمة مرت عليها آلاف السنين وجهت إلى شعب متمرد، هو شعب بنى إسرائيل الذى عانى منه الأنبياء حتى انتهى بهم الحال إلى السبى فى بابل، حيث اُستخدم شبابهم فى أعمال السخرة كالبناء والفنون، ودامت هذه الحالة لنحو سبعين عامًا، ولكن الشعب المتمرد لم يتعلم الدرس وظل يتساءل وكأنه لا يدرى بالقول بسبب مَنْ هذه البلوى فيأتيهم الجواب: هذا مصير المتمردين والآثمين الذين لا يتعلمون الدرس، ولكم أن تتأملوا فى لون الكوشى الأسود الذى ولد هكذا، أو لون النمور المرقطة وغير القابلة للتغيير، هكذا أنتم.
هنا يأتى السؤال عن تأثير التربية والمنشأ على الأطفال، حتى حين يكبرون يكون من شبه المستحيل تغييرهم إلى الأفضل، فمن وجد فى بيئة عرف عنها السلب والنهب سواء بالفعل أو بالمشاركة فيه، أو حتى بالرضا والسكوت عنه ماذا يُقال فيه؟، وقديمًا قالوا: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وكما نقول فى أمثالنا، أو أشبه بمن يأكل مع الذئاب ويحزن مع الراعى، وهكذا الحال مع المتلونين ومحترفى الدهاء والخبث، يتقرب من أصحاب السلطة حتى ينال مبتغاه، ثم ينقلب حتى على مَنْ أكرمه، فهو من يمنح وهو من يمنع، فيجيد الدعاء والخداع.
وماذا عن أصحاب المراكز والجاه الذين أوكلوا لهذه الذئاب السلطة، حتى جلسوا على مقاعد وثيرة فى مجالات أكبر وسلطات أوسع، فنسوا أنهم وكلاء على مقاعد هى متحركة لا تدوم، ولو كانت دائمة، ما وصلت إليهم سواء كانت وزارة أو إدارة، فهو لا يزال وكيلًا لا مالكًا كما يسلك، فهو مؤتمن على وكالة لا يملكها، وليس حرًا فيما يشاء أن يفعله، والقانون لا يعرف التمييز والسلطة المطلقة.
لهذا وجب القول لكل كوشى لم يتغير لونه إلى الأفضل، المناصب لا تدوم ويومًا ما ستترك مقعدك المريح والأضواء المبهرة ستنطفئ، وسوف يطوى التاريخ صفحة من صفحاته، لأنها لا تستحق القراءة، وتأكد أن كل من لدغ بلدغاته سيشارك فى إهالة التراب، ومنهم من كانوا سببًا فى جلوسك على مقعد غير مناسب سواء عن غير قصد أو عجز فى الرؤية أو خداع فى الثوب الخارجى والكلام المعسول، ولم ينج من لدغاتك من كانوا سببًا فى جلوسك على هذا المقعد غير المناسب.
وحتى لا ننسى أولئك الأمناء والمخلصين الذين تفانوا وأعطوا بلا حدود لمواقعهم وللإنسان دون تمييز أو تحيز، فإن الله سبحانه لا ينسى تعب وعطاء المخلصين حتى وإن نساهم الناس فى جيلهم، ولهم منا الدعاء لهم بالصحة والعافية، ولأصحاب القلوب المريضة والنوايا غير الحسنة، أن يعودوا للرشد وطلب الغفران من الذى بيده كل أمر ونهى، فهو وحده صاحب السلطان وصانع المعجزات والقادر على إحياء الموتى، وهو غفور رحيم لكل من تاب عن غيّه وعاد لرشده، فهو سبحانه أرحم الراحمين.
هذه سطور من مقال أكبر لنا ورد فى جريدة «الأهرام» بتاريخ الحادى والعشرين من شهر نوفمبر لعام ألفين وسبعة، أى ما يزيد على العشرة أعوام.. وهنا يأتى السؤال: هل للمقال مكانه اليوم؟ أرجو أن يكون الجواب بالنفى، فمع اغترابى معظم الوقت إلا أننى أتابع لأرى الكثير من التغيير والرغبة الصادقة فى النهوض والتقدم مع الحاجة إلى الصبر، والدعاء، أن يوفق المولى القيادة والمعاونين لخير هذا البلد الذى تحمل الكثير، ويتوق لنقلة سريعة لكن فى غير تسرع حتى تلتقط الأنفاس، فمصر غنية برجالها ونسائها وتاريخها القديم عندما كانت منقذة لشعبها ولغيرهم، فى وقت الجوع والحرمان كانت غنية معطاءة منذ أيام يوسف بن يعقوب، ودعائى ليوسف اليوم أن يقود السفينة لمرسى أمين لشعب يستحق كل عطاء، وبسخاء وتكريم.