مشكلة كثافة الفصول
ما زلنا نفكر من داخل صندوق ضيق وليس من خارجه فيما يتعلق بالحد من كثافة الدارسين بالفصول، فبدلًا من التفكير فى بناء مدارس جديدة، لدينا متسع من الوقت، ساعات النهار الطويل لا نستفيد منها، فماذا لو بدأ اليوم الدراسى فى السابعة صباحًا وحتى الثانية عشرة ظهرًا، فخمس ساعات دراسية يوميًا تكفى مع يوم واحد عطلة أسبوعيًا تعطينا ناتج ثلاثين ساعة دراسية أسبوعيًا.
أما باقى اليوم ومن الثانية عشرة والنصف حتى الخامسة والنصف تعطينا ثلاثين ساعة أخرى، وبذلك ضاعفنا عدد مدارس مصر كلها ووفرنا آلاف المليارات من المال لأهداف أخرى.
والأمر الآخر هو مد أيام الدراسة، كما يحدث فى دول الغرب حتى تصل إلى نحو مائتى يوم دراسى على الأقل، بعد خصم أيام العطلة الأسبوعية، أى يوم واحد، وعطلات الأعياد، وشهرين ما بين عطلات نصف العام والعطلة الصيفية، وكفانا عطلات أخرى لأى سبب كان.
وعلى صعيد آخر لا بد من وقف الدروس الخاصة مع تعويض المعلمين بزيادة رواتبهم إلى الضعف، على الأقل، مع تحديد قدر من المصروفات يدفعها التلميذ وإعفاء غير القادرين بعد دراسة الأحوال، وتخصيص منح دراسية للمتفوقين يمكن للأغنياء المساهمة فيها باعتبارها منحة تفوق تعليمى منسوبة لبعض الشخصيات، سواء من الأحياء أو المتوفين الذين خصص ذوويهم منحًا تعليمية على أسمائهم تكريمًا لذكراهم، كما يفعل الغربيون.
يقترن ذلك بتجريم الدروس الخاصة، مع تخصيص حساب فى كل مدرسة يتبرع فيه القادرون، ويتم صرف بدل ساعات عمل للتلاميذ المحتاجين مساعدة، بناء على التقييم الشهرى للطلاب فى المراحل المختلفة، ويصرف من هذا الصندوق مقابل ساعات عمل للمحتاجين دون تكلفة مباشرة من التلاميذ، وهذه تجربة على أرض الواقع أثنى عليها طيب الذكر وزير التعليم الدكتور حسين بهاء الدين معلقًا: تجربة تستحق التعميم.
والأمر الآخر وهو الملايين التى تنفق على الكتب، ثم يخرج علينا من يكتب كتابًا سلاحًا بتارًا يقضى على كتب الوزارة تمامًا وتضيع ملايين المصريين فى الهواء.
ومن تجارب الأمريكان، وأظن أنهم قادرون ماليًا على طباعة هذه الكتب ولكنهم لا يفعلون، وأطفالهم فى مرحلة التعليم الابتدائى لا يحملون حقائب ثقيلة ولكن بها بعض الأوراق مع ساندويتش إذا كانت المدرسة لا تقدم وجبات غذائية، كما فى المدارس الحكومية، فمدارس الحكومة تقدم لأطفالها وجبات غذائية فى اليوم الكامل للدراسة، والمعلمون هم المرجع، والتلميذ لا يحمل إلا وريقات، وبعض الملاحظات بين المعلم والأسرة، والجهتان معًا ينظمان حياة التلاميذ، فمثلًا إذا لاحظت المعلمة ارتفاعًا فى درجة حرارة الطفل يعرض فى الحال على المشرف الصحى، رجلا كان أم سيدة، ويتم الاتصال بولى الأمر حتى لا يكمل الطفل باقى اليوم متعبًا، ووفقًا لرأى المشرف الصحى يتقرر إذا ما كان الطفل يحتاج يومًا آخر للراحة أم يحضر فى اليوم التالى.
والسؤال: هل الحكومة الأمريكية عاجزة عن طبع أحمالٍ من الكتب لأبنائها؟، أم أنها قادرة على أن تزود المعلم بما هو محتاج إليه من مراجع يمكن أن يزود بها تلاميذه؟.
لقد وهبنا الله فى رحمته مناخًا طيبًا، فلا ثلوج ولا عواصف، وإنما مناخ معتدل فى أغلب أيام العام، ولكن الفارق هو بين من يحسن استخدام الوقت ومن لا يجيده جهلًا أو عمدًا مع سبق الإصرار والترصد لهذا البلد.
الحاجة ليست إلى المزيد من الأبنية، بل إلى صيانة ما لدينا منها.
أما ما قيل عن الرواتب وكم توفر راحة للمعلمين حتى لا يحتاجوا إلى دخول أخرى من أبواب خارج جدولهم وجدران مدارسهم؟ الرد يقول عكس ذلك، فرواتب المعلمين أقل بكثير من دخول أعمال أخرى، ولكن ساعات العمل أقل وطبيعة العمل ربما أقل جهدًا، لذا ترى غالبية المعلمين بالمدرسة من السيدات، ومن جانب آخر فساعات عمل المعلمين أقل من الأعمال الأخرى التى تبدأ من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً مع ساعة واحدة للراحة أو الغداء.
وللمعلمين عطلة صيفية تصل إلى قرابة الشهرين سنويًا، فى حين الأعمال الأخرى تتراوح عطلاتها بين خمسة عشر يومًا تزيد مع سنوات العمل الطويلة حتى تصل إلى ثلاثة أسابيع أو ثلاثين يومًا.
وختامًا لهذا المقال، ليست أزمتنا المال لكن فى كيف ننفق المال، وليست الأزمة فى المعلم فلدينا معلمين أكفاء، وليست الأزمة فى المبانى ولكن فى كيفية استخدام المبانى، وليست الأزمة فى نوعية العقلية، فلدينا عقول نابهة فى المعلم وفى الطفل، ولكن المشكلة فى كيفية استخدام ما لدينا من عقول ومن إمكانيات، فلنراجع أنفسنا ونعاود تقييم كل ما نملك وتقديرنا لكل جهد مخلص صادق.