سبعة عقود
يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين فى الكرامة والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يُعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء»، و«لكلّ إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة فى هذا الإعلان، دونما تمييز من أىِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأى سياسيًّا وغير سياسى، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى، أو الثروة، أو المولد، أو أى وضع آخر. وفضلًا عن ذلك لا يجوز التمييزُ على أساس الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد أو الإقليم الذى ينتمى إليه الشخص، سواء أكان مستقلًا أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتى أم خاضعًا لأى قيد آخر على سيادته».
هذه الكلمات البليغة، هى نص المادتين (١) و(٢) من «الإعلان العالمى لحقوق الإنسان»، الذى احتفل العالم، منذ أيامٍ قليلة، بمرور سبعين عامًا على إصداره، فى العاشر من شهر ديسمبر ١٩٤٨، وقد اعتبرته «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، حسب ديباجة الإعلان: «المستوى المُشترك الذى ينبغى أن تستهدفه كل الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة فى المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعّالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها».
وقد كانت ظروف انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما خلّفته من دمارٍ مروِّع، وضحايا بعشرات الملايين، دافعًا لإصدار هذه الوثيقة التاريخية، حمايةً لحقوق الفرد والمجتمع، اللذين تم العصف بهما فى آتون الحرب الدامية، صراعًا على النفوذ والمصالح، وقد لعبت دول عربية كمصر «ممثلةً فى الدكتور محمود عزمى»، ولبنان، «عبر الدكتور شارل مالك»، دورًا مهمًا فى الحوارات والصياغات التمهيدية، التى هيأت لإعلانها.
وقد كان إطلاق هذه الوثيقة أساسًا لإصدار مجموعة أخرى من الوثائق، تتناول بالتفصيل الحقوق الواجب توافرها لضمان حياة إنسانية كريمة للبشر، وأهمها «العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، وهى معاهدة متعددة الأطراف، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز النفاذ عام ١٩٧٦. وتُلزم الموقعين عليها بالعمل من أجل «منح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الأقاليم والأفراد.. وحقوق العمال والحق فى الصحة وحق التعلم والحق فى مستوى معيشى لائق». واعتُبر هذا العهد جزءًا من إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وكذلك «العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، الذى وضع عام ١٩٦٦، ودخل حيّز التنفيذ بعد عقد كامل، فى ١٩٧٦، والذى يستهدف، بنص «ديباجته»: «أن يكون البشر أحرارًا، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة».
وقد تناولت هذه الوثائق مجتمعة كل الحقوق الواجب توفيرها وحمايتها، لكى تضمن الحفاظ على حياة الإنسان، أيًا كان، وكرامته، وأمنه، وتحميه من عسف القوة وعصف ذوى الجاه والسلطان.
ورغم الأهمية القصوى لهذه الوثائق، إلا أنه من المهم إبراز مجموعة من الملاحظات حولها، أولاها: إن إقرار بعضها، والتوقيع على البعض الآخر، لم يعنِ الإلزام بإنفاذ بنودها، أو تحقيق أغراضها، وثانيتها: إن هذه الوثائق، على نُبل غاياتها، استُخدمت من الدول الكبرى، وفى مقدمتها أمريكا، أكبر منتهكى حقوق الإنسان فى العالم، لتبرير توجيه ضرباتها لخصومها، وحصارهم، بل احتلال أراضيهم، على نحو ما حدث فى العراق وليبيا وغيرهما. وأخيرًا فإن تطبيقها يُمارس فى ظل قواعد «المعايير المزدوجة» السائدة، التى تعفى الأقوياء، مثل إسرائيل، من أى مساءلة، وتستقوى على الضعفاء، على نحو ما نرى يوميًا!