خيانة عـظمى!
بعد مرور نحو عام، وفى دائرة "دير الأنبا صامويل"، بمحافظة المنيا، أى فى نفس المنطقة التى شهدت جريمة مقتل وإصابة عشرات من المواطنين المصريين المسيحيين السنة الماضية، روّعت مصر مُجدداً بجريمة أخرى بشعة، عصرت قلوبنا حُزناً وألماً، بعد أن حصدت سبعة أبرياء، وأصابت نحو عشرين ضحية أخرى، من المصريين المسيحيين أيضاً، بينهم أطفال وسيدات، زاروا الدير مستبشرين، ثم عادوا دون أن يدروا أن يد الموت الآثم تتربص بهم غيلةً، وتمتد إليهم بالشر والعقاب، لا لذنبٍ جنوه، ألاّ لأنهم راحوا يعبدون ربهم فى وداعة وسلام!.
لم تكن هذه الجريمة الخسيسة الأولى، وللأسف لن تكون الأخيرة، فقد اعتدنا، حتى البلادة، أن نصحو كل بضعة أسابيع، وربما، كل بضعة أيام، على رائحة الدم والإجرام، تكوى ذاكرتنا المثقوبة، وتلسع وعينا الغائب، وهى تُذكّرنا بأن وحش الإرهاب الأسود، لا زال طليقاً يُهدد، وحيّاً يسعى، وأن مهمة تطهير أرضنا من أدرانه لازالت قائمة، وأن علينا توخِّى الحذر والتزام الحيطة، والانتباه والتَحسُّب، حتى لا تاخذنا سِنة من نومٍ، كعادتنا، فنصحو على كارثة!
فى كل مرة بعد أن تقع الواقعة، تهتاج مشاعرنا بالأحاسيس، وتنطلق أفواهنا باللعنات، وتفور الدماء فى عروقنا، فنهرف بما لا نفعل، وندعو لما لا نُـنـَـفّـِذُ، ويظل الحال على ماهو عليه، حتى يدق الناقوس مُعلناً عن مأساة جديدة!
إسألوا سكك حديد مصر وسيمافوراتها، ومستشفياتها ومرضاها، وطرقها وحوادثها، وشوارعها وفوضاها، وكباريها ومآسيها، وأحيائها وقماماتها، وأسألوا أبراجها المائلة، وأرضها الزراعية المتآكلة، لكى يدلوكم عن كم الكلمات والأقوال والبرامج والخطط والاجتماعات والتصورات، التى تتكدس يوماً بعد يوم، وعاماً تلو عام، دون أن نخطو خطوة فعليّة لتدبُّر محتوياتها، أو تنفيذ مقترحاتها، تنفيذا جاداً ومُخلصاً، خالياً من الشكليات والمظهريّة، ولوجه الله والوطن!.
لكن كل هذا كوم، وجريمة الأمس القريب، وأشباهها، كوم آخر!
فسكك الحديد، يمكن بالإرادة وبعض الأموال، إصلاح حالها. وأوضاع المستشفيات قابلة للعلاج بالحسم وحُسن الإدارة، وإيجاد حلاً لحوادث الطرق وضحاياها بالقانون الرادع والنظام الصارم، أمرٌ متاح، وهكذا فيما يخص فوضى شوارعنا، ومآسى كبارينا، وقمامة أحيائنا، وفساد محلياتنا، والجور على أغلى مالدينا، أرضنا الزراعيّة.. إلخ. كلها مشكلات قابلة للحل.. لو أردنا، ويجب أن نريد!
أما مشكلة الإرهاب، وهى نوعيّة خاصة من المشاكل، تحتاج، إلى جوار دور الدولة والجيش وأجهزة الأمن، فى مواجهتها، (فدور هذه الأطراف ضروري، ولاغنى عنها لمواجهة عنف وانحطاط مثل هذه العصابات التى لا مِلّة لها ولا ضمير)، إلى هِمّة المصريين جميعاً، لمواجهة النوع الأخطر من الإرهاب، ذلك الذى يعشش فى العقول، ويطمس الضمائر، ويُشوِّش الوعى، ويعمى الأبصار!
لابد أن يتحرك شعبنا، بكل طوائفه وجماعاته، بأحزابه وقواه المجتمعية، بمثقفيه ومفكريه، وفنانيه ومبدعيه، وبكل صاحب ضمير حر وحىّ، لكى يبنى سداً وعينا وأجسادنا، فى مواجهة استهداف أقباط مصر، من قِبل جماعات القتل على الهويّة، وعصابات التكفير والتضليل!
فهويّة مصر الجامعة المانعة، المتكوِّنة عبر آلاف السنين، بطبقاتها المترسّبة طبقة فوق طبقة، وحضارة تلو أخرى، وعقيدة بعد عقيدة، وبمكوناتها الحضاريّة الخالدة، التى جعلت منها نموذجاً وملاذاً، للأنبياء والرسل والعظماء والأحرار، على مدار القرون.
هذه الهويّة الفريدة مستهدفة كل الاستهداف، لأن إشاعة الخوف والترويع فى صفوف مسيحيى مصر، وإثارة الفزع والقلق فى نفوسهم، والدعوة الإجرامية، بالفعل والقول لتكفيرهم وازدراء عقيدتهم، والتهديد المستمر لأعمالهم وسكناهم، ومواقع عبادتهم وأشخاصهم، جريمة خيانة عظمى لمصر، وإذا صمتنا اليوم إزاءها، سندفع ثمن صمتنا أضعافاً مضاعفة!
أيها المصريون: حان وقت أن تقولوا: لا.. فقولوها!