دولة الإرهاب «1»
- دور إنجلترا التاريخى فى دعم الحركة الصهيونية خلال النصف الثانى من القرن الـ١٩ هو تاريخ عريض لا تنافسها فيه إلا أمريكا خاصة بعد أفول نجم الأولى وصعود الثانية إلى صدارة المشهد
لا أحد يجهل الدور المحورى الذى لعبه الغرب الاستعمارى، وفى مقدمته «إنجلترا»، أو «بريطانيا العظمى»، الإمبراطورية البائدة التى كانت لا تغرب عنها الشمس، فى اختلاق الدولة الصهيونية، أو لنقل «اليهودية»، حسب التطورات الأخيرة بعد صدور «قومية الدولة».
كانت هناك مصالح متبادلة بين الطرفين: فإنجلترا تحتاج إلى ربيبة، تصنعها على عينيها، لكى تحمى لها مصالحها فى «الشرق» الغنى بموقعه وثرواته، ولكى تحول دون وحدة مكوناته، ولتحمى خطوط تجارتها ومواصلاتها إلى «لؤلؤة التاج»: الهند، ولأسباب أخرى عديدة، والحركة الصهيونية كانت- وهى تتلمس طريقها- بحاجة إلى «ظهير» قوى، يهبها سر الوجود، وقد كان. فدور إنجلترا التاريخى، وبالذات منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر، وتوقيع اتفاقية «سايكس- بيكو»، السرِّية، ثم استصدار «وعد بلفور»، وتسليم فلسطين المحتلة، «تسليم مفتاح» للصهاينة، ودعم شراستها وهمجيتها، على كل المستويات، حتى الآن، مما لا يخفى على لبيب، وهو تاريخ عريض لا ينافس إنجلترا فيه إلا أمريكا، خاصةً بعد أفول نجم الأولى، وصعود الثانية إلى صدارة المشهد، وتصدره، فى النصف الثانى للقرن المنصرم!.
مناسبة هذا الكلام، مطالعتى سفرًا مهمًا، وكبيرًا «أكثر من ٥٠٠ صفحة»، بالغ الثراء والقيمة، وتعود أهميته إلى أسباب عديدة، منها أنه يمنحنا فيضًا لا ينقطع من المعلومات والمعارف، حول هذه القضية، ويُنير مناطق مظلمة أو محجوبة، فى تاريخ «إسرائيل»، كانت تحتاج إلى إمكانيات وقدرات ذاتية وموضوعية خاصة، لتحصيلها، ثم العكوف عليها بالتمحيص والتحليل، ومنها القدرة على الولوج إلى مراجع و«أرشيفات» صهيونية وبريطانية وأمريكية وأجنبية لا تتوافر فرص الاطلاع عليها لأى باحث آخر، ومنها، وهو الأهم، التمتع بروح النزاهة والموضوعية، وهو ما يؤكد أن الإنسانية والعدل نزوع يعلو على كل النعرات، ويتجاوز الحدود.
الكتاب اسمه: «دولة الإرهاب.. كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب؟»، ومن المدهش أن مؤلفه «توماس سواريز»، ليس متخصصًا أو أكاديميًا متفرغًا، ولكنه «عازِف كَمان وموسيقى أمريكى مِن خِرِّيجى كونسرفتوار» مدرسة جُوليارْد للرقص والدراما والموسيقى الشّهير. وهو مِن مواليد مدينة نيويورك عام ١٩٥١، ينحدر مِن أصول إسبانية مِن طرف الأب وإيطالية مِن طرف الأُم. عَزَف فى السابق ضِمن فِرَق أُوركِسترا لامِعة مِثل الأُوركِسترا السِّيمفُونِية الأمريكية وأُوركِسترا «بالتِيمُور» السِّيمفُونِية وفِرَق مُتعددة لِموسيقى الحُجرَة فى نيويورك. وهو شخص متعاطف بقوة مع الحق الفلسطينى، وسبق أن قام بعدة جولات موسيقية على نفقته الخاصة للعَزف فى مخيمات اللاجئين، كما تتلمَذَ على يديه العديد مِن الفلسطينين اليافِعين أثناء تدريسه فى «معهد إدوارد سعيد الوطنى للموسيقى» لمدة مُوَزعة على أربع سنوات»، وهو، فضلًا عن ذلك، «رسّام خرائط» متمكن، ومصور محترف، وصاحب مواهب أخرى رفيعة، حسب معلومات صديقة أسرته، الموسيقية والباحثة الفلسطينية «ريم الكيلانى».
وقد كان «عدم التخصص» نقطة لهجوم الأوساط الصهيونية على المؤَلَف والمؤَلِف، حيث بذلت أقصى استطاعتها لمنع الكتاب من الصدور، بزعم أنه «كَمَنجاتِى أمريكى وليس بِمُؤَرخ»، لِنَزع المِصداقية عن بحثِه الكبير، لكن الجهد الهائل المبذول فى جمع مادة الكتاب وصياغة سطوره، «مراجع ومصادر المؤَلف أكثر من رُبع صفحات الكتاب»، ومبدئية وصلابة المؤلف، ووجود ناشرين متمكنين من أصل فلسطينى، أنقذته من الوأد، الذى طال فى السابق آلاف الجهود الأخرى الشبيهة، لكى يخرج إلى النور، مُعلنًا أن: «الإرهاب- أى العُنف السياسى المُوجه ضِدّ المدنيين- هو الأسلوب الأوحَد الذى مِن خلالِه يتمكّن المُحتَل مِن إذلال السُّكان الأصليين ومِن نَزع الأنسَنَةِ عنهم ومِن تهجيرهم. هذه هى، بكل بساطة، حقيقة ما يُسمى «الصراع» الإسرائيلى- الفلسطينى».. فإلى الكتاب.