الدستور تنشر نصوص القصص التي ترجمت للعبرية للكاتبات المصريات
حصلت الدستور على القصص التي ترجمت للعبرية في كتاب حرية والذي صدر عن دار نشر رايسلينج بإسرائيل بدون إذن الكاتبات المصريات والعربيات.. وكانت القصص كالتالي
- قصة سعاد سليمان "تشابه"
سحقني الفزع عندما مرت العربات فوق جسدها الصغير وكأنها شخصية كارتونية انتصبت مبتسمة لا تحاول الهروب في انتظار مزيد من الصدمات وعندما تجاوزتها نظرت خلفي تفصحت ملامحها كانت تشبهني تماما.
- قصة انتصار عبد المنعم بعنوان"وثائق"
الأولـى
تحت شجرة الرمان أعلنت ثورتها. قررت الخروج من رحم أمها. لم تعد تتحمل ضيق المكان وعتمة الليل والنهار. اشتاقت لتعرف معنى الصباح وضوء الشمس. أرادت أن تفتح جفنيها المغلقين دوما في محيطها المائي الخالي من الأمواج. تململت ودفعت برأسها تنظر للأرض الرملية المبللة بماء يرطب حر سبتمبر. تلقفتها الأيدي. بكت من برودة أيديهم المتفحصة لأجزاء جسدها الصغير. علا بكاؤها واختلط بهمساتهم الضاحكة الفرحة بملامحها الدقيقة. وجاء من جاء وذهب من ذهب ليمنحها اسما وينسبها لرجل وامرأة. ويصبح لديها الوثيقة الأولى التي تنسبها لعالم الأحياء.
الثـانـيـة
تقطف ثمرات الرمان الناضجة. تضعها في طبق الفاكهة. تدخل. تسلم عليهما. عيناه تتفحصانها. يغوص في حدائق جسدها. يصعد تلالا وينزل هضابا مبهور الأنفاس. يشتهي الرمان. يعطيها خاتما. وجاء من جاء وذهب من ذهب ليسلبها اسمها وينسبها لرجل آخر. وتحصل على الوثيقة الثانية التي تدخلها عالم النساء.
الثالثـة
ينخر السوس في سيقان شجرة الرمان. يتقاطر منها الدود. يسبح في الهواء متعلقا بخيوط عنكبوتية تخنق شجرة الرمان. تقع حبات الرمان على الأرض متفحمة. وتعرى الشجرة من الأوراق وتلفحها شمس سبتمبر. تتحد مع همومها. دفقات الألم والحزن تثور بداخلها. تؤجج ثورتها. تسحق روحها. تدعوها لتتخلص من كل أثواب الوهم التي حاكتها في سنوات عجاف. وجاء من جاء وذهب من ذهب وأعاد لها اسمها. وتحصل على الوثيقة الثالثة التي تضعها على الأعراف تتهادى على أرجوحة البين بين.
الـرابـعـة
شجرة الرمان أورثت مكانها لتلال من الصبار الأخضر الزاهي. تتهاوى أيامها. مضرجة بأحلامها. متسربلة بأحزانها. تعلن تسليمها. تأخذ وثيقتها الأولى. تغلق عليها يديها. ترى أمها في غلالة من نور تناديها. تطرح همومها جانبا. ترخي مفاصل روحها. تتمدد على الرمال المبللة بماء تفوح منه رائحة السدر والحناء. تتلقفها الأيدي. تبتسم. تمسك بيد أمها. يعلو بكاؤهم. يركضان معا بين أشجار الرمان. وجاء من جاء وذهب من ذهب ليأخذ منها روحها واسمها وجسدها ويصبح لديهم الوثيقة الرابعة التي تخرجها من عالم الأحزان.
- شاهيناز فواز قصة " قهوة"
تأخر النادل عن إحضار فنجان القهوة.. مما أدى إلى شعوره بالإختناق من المكان.. يجلس على الطاولة المقابلة له بعض الشباب.. يتحدثون عن المؤيدين والمعارضين لقرارات رئيس البلاد.. لم يكن يوما سياسيا ولكنه يتابع عن كثب.. استفزته آرائهم المخالفة له.. تأهب لمشاركتهم رأيه المخالف.. وإذا بالنادل يتقدم إليه بالطلب.. يلتقط فنجان القهوة بسعادة.. معطيا ظهره لتلك الطاولة.
- سندس جمال الحسيني قصة "غيبوبة"
كانت عجوزًا طيبة..
تبدو هادئة الملامح إلا أنه ببعض التدقيق يلاحظ المرء معاناة كبيرة محفورة في ملامحها.. منذ تم وضعها على أجهزة التنفس الصناعي ولم يعد أحد يسأل عنها من أقربائها.. لكن هناك من يسألون كل يوم عنها وهم يتمنَّون موتها.. وهم الراغبون في أجزاء من جسدها كالكُلى والكبد لزرعها في أجسام تحتاج إليها.. أو حتى لسرقتها وبيعها بأسعار خرافية..
تبدو في غيبوبتها صامتة والكل لا يدري لها سببًا محددًا.. ولا يعرف أحدٌ ماذا يمكن أن يدور في داخلها سوى أن عقلها يرفض الاستجابة..
إلا أن يدها اليمنى شعرت بالغيظ الشديد.. وبدأت تتململ في سكونها الذي طال.. فقالت لها اليد اليسرى ضاحكة إنها لن تقدر مهما حاولت على التحرك.. فأجابتها اليد اليمنى أن الأمر ليس من شأنها، وأنها تخطط منذ زمن للنهوض.. فازداد ضحك اليسرى قائلة: سنرى.. وعلا صوت اليمنى وهي تشتمها بالأب والأم..
فلم تسكت اليد اليسرى وراحت تزيد الصاع صاعين وتذكرها بكل خطأ ارتكبته في الماضي لتعايرها به.. وحين علا صوتهما وتداخلت الاتهامات والشتائم استيقظت القدم اليمنى وقالت بصوت ناعس أن تخرس الاثنتان فهي تريد النوم.. والنوم مفيد والكسل جميل،ما دام الأمس مثل اليوم فالغد مثلهما وانتهى الأمر..
فتمتمت القدم اليسرى بأن القدم اليمنى على حق رغم عدم اقتناعها بذلك.. هنا تدخل العقل وأصدر أوامر لا رجعة فيها لجميعالأعضاءأنتصمتوإلا … فصمت الجميع..
نامت القدم اليمنى بسعادة وهي تشعر بالأمن.. ونامت القدم اليسرى بعين نصفها مفتوح.. وتظاهرت اليد اليسرى بالنوم رغم انشغالها بالتفكير كيف ستنتقم من اليد اليمنى.. وظلت اليد اليمنى تحاول في الخفاء أن تتحرك وتعصي أوامر المخ العليا.. كان المخ لا ينام.. يراقبهم دومًا ليتأكد من عدم حدوث أي تمرد من أي نوع.. وكان يحبس القلب بعيدًا عنهم حتى ينسوا وجوده من الأصل..
وكان يعاقب ما تسول له نفسه الخروج عن الأوامر بشكل يجعله لا يفكر في ذلك ثانية.. بل وفكر العقل أن يقتل القلب تمامًا ليرتاحمنالتفكيرفي خطره، لكن في آخر لحظة فطن إلى أنه إذا قتله فلن يجد ما يتحكم فيه.. فهو في الجسم كالملح في الأرض.. الجندي المجهول وأهم جندي في الوقت نفسه.. وهو الوحيد المحتفظ بشبابه ورونقه.. وحتى إذا ظل الجسد نائمًا هكذا بلا حراك وكل الأجساد الأخرى تتحرك بحرية وتعمل وتنتج، فهذا أفضل بالنسبة للمخ حتى يستمر في السيطرة والتحكم..
في تلك المرة كان القلب خلف محبسه حزينًا.. يفكر في حاله الذي ساء.. وفي تاريخه الجميل من الصحة والعطاء.. كان يعمل ببطء شديد الآن.. مجرد ما يكفي لجعل الجسد لا يموت.. لكن بلا أي حركة أو تقدم..
فكر القلب أنه لا بد من الثورة على العقل الذي يمسك تلابيب كل عضو في الجسد.. لابد من التكالُب عليه.. لكن كيف لقلب مسكين واهن أن يفعل ذلك بمفرده.. حاول أن يتكلم مع اليد اليمنى.. وجدها في وادٍ وحدها وترفض أي فكر غير فكرها في التحرر ببطء وخلف الستار.. تحاور مع اليد اليسرى فوجدها تتفلسف وتقول كلامًا لا تقدر على فعله..
التفت إلى القدم اليمنى فوجدها لا ترغب إلا في النوم، وسعيدة بما يفعله المخ؛ فهو الأدرى في نظرها والأكثر خبرة.. قال لها القلب إن باقي الأجساد تسير وتعيش حياة رغدة.. لم تصدق وظلت في سباتها العميق.. كان أمله الوحيد في القدم اليسرى إلا أنها تخوفت وقالت إنها ستنتظر لترى ما الذي ستفعله اليد اليسرى لتفعل مثلها..
ظل هذا الحال لفترة زمنية طويلة.. حاول فيها المخ تضليل القلب وإلهاءه.. إلا أنه وفجأةً انتفض القلب.. وقرر أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع المخ.. قرر أن يرفض الظلم دون تفكير في النتائج.. حتى لو أدى ذلك إلى أن يضحي بحياته.. وكانت المواجهة شديدة.. وكاد المخ يقتل القلب من كثرة ما جرحه.. إلا أن اليد اليمنى واليسرى تناستا خلافاتهما ودافعتا عن القلب بشجاعة.. ولحقت بهما القدم اليسرى.. بينما ظلت القدم اليمنى تتابع ما يحدث من بعيد.. كان العراك عنيفًا.. امتزجت فيه دماء القلب مع دماء اليدين والقدم الواحدة.. وحين بدا أن الفريق سينتصر.. حاول المخ أن يستعين بالقدم اليمنى وأقنعها بأنه أفضل من يحكم.. اقتنعت ولكن ظلت على جبنها تخشى المواجهة.. حتى دخل القلب إلى المخ وضخ الدم الجديد فيه.. وراحت اليد اليمنى بالتعاون مع اليسرى تنظِّمان المخ تنظيمًا يتيح للجميع العدل والرخاء.. وكانت القدم اليسرى تحميهم من ما تبقى من آثار المخ العفنة..
نجح الأمر بعد وقت طويل..
وأفاق جسد المرأة الطيبة من غيبوبته التي قال عنها الأطباء من كل أنحاء العالم إنها دائمة.. وأقسم كل من رآها من معارفها أنها أصبحت أكثر شبابًا وجمالًا.. رغم أنها قد خسرت قدمها اليمنى التي أصبحت مشلولة للأسف..
لكن جارٍ علاجها والأمل كبير.
- دعاء عبد الرحمن "ظل النافذة"
في شارعنا الضيق ومع تقابل البنايات وتقاربها ربما نرى مابداخل الشقق في البناية المقابلة لنا إذا كانت مفتوحة النوافذ، لذا تحرص نساء الحي على غلقها جيدًا أو على الأقل إسدال الستائر.. إلا أنا !
ولماذا أفعل والشقة المقابلة لشقتي هجرتها صاحبتها منذ عامٍ تقريبًا، يقولون بأنها انتحرت أو ربما هربت..
لا أحد يعلم، وبالرغم من ذلك شُرفتها دائمًا مفتوحةً على مصراعيها، تعبث بها رياح الشتاء، فأجفل من صوت ارتطامها بالحائط ليبتسم زوجي متسليًا من هيئتي المُرتعبة بلا سبب.
أما اليوم فلقد كان الأمر مُختلفًا، يبدو أنني سأُسدل ستائري أنا الأُخرى، لاحظت وأنا أفتح نافذتي أن هُناك من تقف في الشُرفة المقابلة على غير المُتوقع، كانت تقف قبالتي تمامًا.. تنظر لي وتبتسم!، وعندما دققتُ النظر فيها عرفتها..
رباه ! إنها هي جارتي القديمة نفسها.. إذن فهي لم تنتحر!، مازالت على قيد الحياة ولكن..
لماذا يظهر عليها تقدم السن بهذا الشكل؟!، ولماذا هي شاحبة هكذا وكأن دماء الحياة فرت منذ شهور من وجهها؟! وكأنها دخلت عقدها السادس فجأة، لقد كانت شابة جميلة منذ عام واحد فقط فماذا حدث؟!
تساؤلات وتساؤلات وعقلي الشارد فيها لم يعُد إلى الواقع إلا بتربيتة من يد زوجي على كتفي من الخلف متساءلًا عن سبب وقفتي تلك محدقة في الشُرفة المقابلة الفارغة!
ها.. لقد عادت جارتنا.. كانت تقف أمامي قبل أن أشرُد.. ألم تشاهدها؟!
كعادته المُتسلية ببعض تصرفاتي الغريبة يرفع كفه بجانب رأسه في حركة تدل على جنوني وينصرف ساخرًا مني.
ويتكرر المشهد يوميًا، كلما فتحت نافذتي أجدها تقف قبالتي تنظر وتبتسم ولغرابة الموقف يظهر من خلفها زجاج باب شرفتها المفتوح والشروخات الطويلة على الجوانب وفي المنتصف كالسرطان منتشرة وكأن الزجاج ينتظر لمسة واحدة ليسقط متهشمًا في أي لحظة، فتوهمت أن تلك التصدعات هي السبب في عدم ظهور انعكاس للمرأة فيه !! ولكن كيف وأنا أرى انعكاس واضح لنافذتي!
قررتُ أن أقطع الشك باليقين وأُحدثها متسائلة عن أخبارها وأين اختفت فجأة، فلم ترد.. واكتفت بأن تُشير لي بأن أذهب إليها في شقتها، وكأنني استطعت قراءة عينيها في تلك اللحظة وعرفت بأنني سأعرف ما أريده عنها عندما فقط أذهب إليها.. هناك!
تحدثت مع زوجي فرفض ولم يُراعي فضولي خوفًا منه على سمعتي في الحي، فمن هي التي تجرؤ على مصاحبة " أرملة مُستباحة".
كان هذا اللقب هو ما اطلقه عليها شباب الحي بعد أن توفى زوجها وباتت تعيش وحدها دون رجل، لا فرق بينها وبين المُطلقة.. كلاهما مُستباحة.. كلاهما موصومة بالعهر وإن كانت مريم العذراء كلاهما زهرة تنتظر نغز الأشواك من حولها من كل اتجاه وفي أية لحظة..
تطاول العابثين حتى وضعوا في ليلة من الليالي سُلم خشبي ضخم وصلوا به إلى الطابق الأول حيث جدار شرفتها الخارجي وكتبوا فوقه بخط مُخدَر مخمور وبلون طلاء فاقع " الليلة بـ 100 جنيه"
لازلتُ أذكر وجه المرأة وهي تُطل بمعظم جسدها خارج سور الشرفة مُحاولة قراءة ما كتبوه عنها.
مازلت أسمع ضحكات رجال الحي.
مازلت أرى شحوب ملامحها وقتئذ وهي تسقط بداخل شرفتها وقد تخلت عنها قدميها كما تخلت الرحمة والشهامة عن جيرانها رجالا ونساءا.
لا أنسى أبدًا تلك الليلة التي سمعت فيها صوت صراخها للحظات قليلة وكأنها تستغيث وفجأة سكت صراخها فلم أتبين هل كانت هي أم لا ففتحتُ نافذتي أنظر فلاحظت حركة غير عادية من خلف الستائر المُسدلة وكأن أحدهم يطاردها داخل شقتها وفجأة أيضًا سكت كل شىء وأظلمت شقتها من تلك الليلة حتى انقضى العام.
وهاهي تعود شاحبة عجوز تدعوني لزيارتها بالإشارة فقط.. وزوجي يرفض، الفضول قاتلي لا محالة إن لم أذهب.
وفي اليوم التالي ضربت بكل شىء عرض الحائط وعزمت على الذهاب إليها، وبداخلي يصرخ أن هناك خطأ ما، ارتديت ملابسي بتوتر حتى تعثرت أثناء خروجي من غرفة نومي بطرف سريري المُغطى بالمفارش الباهتة والتي كانت بيضاء يومًا ما وأنا أقول لنفسي أن البنايات متقاربة جدًا فلن يلاحظ أحد خروجي من بنايتي ودخولي للبناية المقابلة وإذا قابلت إحداهن في طريقها لنزول الدرج فسأتصنع صعودي للطابق الثاني وهكذا لن يعرف أحد.
لم يراني أحد ولم أجد الباب موصدًا فدخلت على الفور وأغلقتُ الباب خلفي كاللصوص، وقفتُ هُنيهة ألتقط أنفاسي الهاربة وأنظُر في الشقة حولي، إنها فارغة تمامًا، لا أثاث ولا أدوات كهربائية ولا أشخاص..
فقط الستائر على الشرفة تُلاعبها الرياح هنا وهناك بلا اتجاه، ناديتها بصوت منخفض فلم يُجيبني إلا الجدران المختنقة بالوحدة وبالغبار العالق فوقها طبقات فوق طبقات، أغوتني الستائر المتلاعبة بالدخول للشرفة فأخذتني قدماي إليها ببطء وحذر وكأنني أخشى أن أجدها هُناك.. ولكن لم يحدث، كانت الشُرفة فارغة كالشقة أيضًا فرفعت بصري إلى نافذتي بتلقائية وقد كانت المرة الأولى التى أرى فيها نافذتي من مكان مقابل لها.. وقد كانت المرة الأولى أيضًا منذ عام أن ألحظ تلك العبارة المكتوبة على الحائط أسفل نافذتي تمامًا " أرملة.. مستباحة.. الليلة بـ100 جنيه".