المتحرشون.. مافيا انتهاك الجسد فى مصر
اعتدت فى السنوات العشر الأخيرة أن تأتى لى اتصالات من أغلب الصحف والمواقع وبرامج «التوك الشو» بخصوص وقائع التحرش، التى كان آخرها فيديو «فتاة التجمع وأون ذا ران». الأسئلة والاستفسارات شبه متكررة، والإجابات متكررة وروتينية لدرجة أنى أصبحت أمتنع عن الرد عن أى شىء بخصوص التحرش، أو أجيب: «يمكنك الرجوع لما قلته فيما سبق». وجدت نفسى أصرح فقط دون أى تغيير بأن المشكلة تتضخم وأصبحت أرى حالات فى العيادة من فتيات ومراهقات أصبح لديهن هاجس بأن كل رجل مهما بلغت مكانته وقدره يمكن أن يتحرش بهن.
التحرش لم يعد مقصورًا على طبقة أو سن معينة لا يوجد مفهوم محدد له.. وبعض الفتيات يقبلنه
للأسف لم يعد التحرش مقصورا على طبقة معينة أو سن معينة، فتجد صاحب سلطة يستغل سلطته للتحرش اعتقادا أن الموظفات يمكن أن يخضعن خوفا منه أو تقربا إليه. وتجد صاحب المال يظن أن ماله سيجعل الأنثى تخضع له وللأسف عندما يخضع البعض له يكرر الاستمرار فى فعله.
وللأسف يمكن أن تجد رجل دين متحرشا ويستغل سلطته الروحية فى التحرش. روايات كثيرة من مرضى فى مختلف الأعمار سمعتها، بعضها حقيقى وبعضها فيه مبالغة شديدة.
اخترت أن أحكى لكم روايتين منها، الأولى خاصة بفتاة والأخرى خاصة بشاب.
مريضة فى سن السابعة عشرة، تعليمها راق جدا ومن أسرة ثرية ولديها مشكلة مع صديقها أثرت على مزاجها وأدائها الدراسى، سألتها سؤالا: كيف تستطيعين التفريق بين المتحرش والمجامل؟
قالت لى هذه الجملة بالنص: يا دكتور البنات دلوقتى بتعرف تفرق مين متحرش وبيحك ومين محترم ومجامل.
وأكملت: أنا ساعات بأقبل كلام وأفعال ممكن يشوفها البعض تحرش وأنا أشوفها عادى. ممكن يبقى الشخص دمه خفيف بيعرف يتكلم كويس ويلبس كويس بس مش معنى كده إنى أستجيب أو أتغاضى لأى أحد. ممكن أكون متضايقة لأى سبب أو مضغوطة فأرفض وأغضب وأعمل مشكلة. يعنى الموضوع كله «عرض وطلب».
انتهى كلام الفتاة عند جملة «عرض وطلب».
الفتاة كلامها جرىء وتمثل نموذجا لطريقة تفكير جيل، البعض يمكن أن يعتبره فجا وغير لائق، فكيف لفتاة مراهقة تقبل أن يتحرش بها أحد لمجرد أن به مواصفات أعجبتها.
نأتى إلى رواية أخرى من مريض شاب فى سنة أولى فى إحدى كليات طب الأسنان الخاصة.
مشكلته أنه يريد التعرف على إحدى زميلاته ولكن يخشى أن تقول عليه إنه يتحرش بها، وسألنى: هل من طريقة للتعرف دون أن توبخه الفتاة؟
الروايتان أظهرتا لى أن مفهوم التحرش لدينا مطاط ولا يوجد مفهوم واضح له، وأصبح التحرش هاجسًا يشغل الكل دون محاولة جدية بعيدة عن التنظير للتخلص من هذا الهاجس.
يشمل النكات.. والحل فى خطاب نفسى ودينى جديد
التعريف العلمى للتحرش، حسب مكتب العدالة المؤسسية بجامعة ميشيجان، هو التحرش الجنسى بموجب القانون. ويشمل طلبات الحصول على خدمات أو رشاوى جنسية، ويكون العرض إما صراحة أو ضمنيًا، ويكون السلوك شديدا أو منتشرا بما فيه الكفاية لخلق بيئة مخيفة أو عدائية أو بغيضة، بالإضافة إلى استمرار السلوك على الرغم من اعتراض الطرف المقابل.
وتعتبر المؤسسات التحرش، سواء كان جسديًا أو شفهيًا، انتهاكًا لمعايير سلوكية وتسعى إلى منع مثل هذه الحوادث واتخاذ إجراءات تصحيحية عند حدوث تحرش جنسى.
والتحرش الجنسى له عدة طرق وأنواع، وتطورت هذه الأنواع مع تطور التكنولوجيا. والتوصيفات التالية، بالرغم من أنها غير شاملة، ستساعدك على فهم أنواع السلوك التى تعتبر «ذات طبيعة جنسية»، وإن كانت غير مرحب بها، قد تشكل تحرشًا جنسيًا.
بيانات جنسية غير مرغوب فيها: نكات جنسية أو «قذرة»، تعليقات على السمات الجسدية، نشر شائعات أو تصنيف الآخرين فيما يتعلق بالنشاط أو الأداء الجنسى، التحدث عن النشاط الجنسى للشخص أمام الآخرين وعرض أو توزيع رسومات جنسية صريحة.
اهتمام شخصى غير مرغوب به: رسائل، مكالمات هاتفية، زيارات، ضغط من أجل تفضيل جنسى، ضغط من أجل تفاعل شخصى غير ضرورى.
التقدم الجسدى أو الجنسى غير المرغوب فيه: اللمس أو المعانقة أو التقبيل أو المداعبة أو لمس الشخص عن طريق الاتصال الجنسى للآخرين لتتم مشاهدته أو الاعتداء الجنسى أو الجماع أو أى نشاط جنسى آخر.
هنا نقف أمام مسألة جدلية وهى الرفض أو القبول. البعض يقول إن قبول الطرف الآخر معناه انتفاء صفة التحرش عن الفعل الذى قام به المتحرش، والبعض الآخر يرى أن قبول البعض فعل التحرش لا يعنى تقنين الفعل.
نأتى هنا إلى جزء سوف يقودنا إلى الربط بين التحرش وتجديد الخطاب الدينى، وهو التحليل النفسى لشخصية المتحرش.
تربط الأبحاث فى الولايات المتحدة التحرش الجنسى بزيادة التغيب عن العمل وعدم الاستقرار فى الوظائف وطلبات النقل، والانخفاض فى دوافع العمل والإنتاجية.
إذن من ضمن سمات المتحرش أنه شخص غير منتج وغير إيجابى، حتى إن كان فى منصب مرموق.
وتذكر العديد من الأبحاث التى أجريت على نفسية المتحرشين أن أغلبهم أصحاب شخصيات سيكوباتية ضد المجتمع ويستخدمون استراتيجيات وسلوكيات ملتوية معتمدة، وهى إنكار فعله والتبرير له أو التقليل منه، وإلقاء اللوم على الضحية والضغط عليها وتهديدها حتى تتنازل عن بلاغها ضده.
الخلاصة أن المتحرش شخص سلبى سيكوباتى فاقد الضمير والإنسانية متبلد المشاعر يحتاج إلى تأهيل نفسى وخطاب دينى متجدد يسهم فى الارتقاء بالنفس البشرية والتخلص من سيطرة الشهوات على الإنسان.
خطاب يستطيع أن يصل بنا إلى مفهوم غض البصر، خطاب يصل بنا إلى التواصل والتراحم والارتقاء بالمشاعر، خطاب يصل بنا إلى مفهوم المساواة والعدالة.
لأن التحرش فى الأساس فعل يقلل من شأن الإنسان وينشر البعضاء.