تحت ثلاثة تضطرب الأرض.. وأربعة لا تستطيع احتمالها
سليمان الحكيم حذرنا من عبد إذا ملك وأحمق إذا شبع خبزًا وشنيعة إذا تزوجت وأمة إذا ورثت سيدتها وندعو الله أن يحمينا من شرور هؤلاء
الأول: تحت عبد إذا ملك.. الثانى: وأحمق إذا شبع خبزًا.. الثالث: وشنيعة إذا تزوجت.. والرابع: وأمة إذا ورثت سيدتها. قد ورد هذا التصنيف على لسان رجل اشتهر بالحكمة حتى اقترنت حكمته باسمه، فنقول سليمان الحكيم، ومع أنه ملك وكان ملكه متميزا حتى عن ملك دَاوُدَ أبيه، إلا أنه بعد خبرة طويلة فى ملكه وخبرة أكثر فى زواجه حتى ذكر رقم لم يرد فى تاريخ سابق أو لاحق للملك سليمان عن هذا الزواج، وبالطبع لم يكن زواج متعة بقدر ما كان ارتباطا اقترن بحكمة هى أقرب إلى معاهدات سلام بين شعوب الأرض المحيطة بملك الحكيم سليمان، فبدلًا من اتفاقيات الصلح سريعة التغيّر كان زواج سليمان ارتباط عشائر وقبائل جمع بناتهم فى علاقة زواج حتى يأمن شر عدوانهم أو غزوهم.
هذا الحكيم خرج لنا بحكمة ربانية فى أربع نوعيات من البشر، أو أربع صفات يحذر منها، اثنتان منها للرجال واثنتان للنساء. أما سمات الرجال فنسبة إلى العبد وإلى الرجل الأحمق، أى العبودية والجهل، والصفتان الأخيرتان تختصان بالمرأة الشنيعة إذا تزوجت، والأمة إذا ورثت سيدتها.
ويضيف الحكيم فى صيغة أخرى بالقول «قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشيين على الأرض كالعبيد».. هذه هى شخصية رجل اشتهر بالحكمة حتى اقترنت شهرته باسمه، فلا نقول عادة سليمان بن دَاوُدَ بل نقول سليمان الحكيم، وهو أحد ملوك إسرائيل وواحد من الأنبياء الثمانية والأربعين، وثالث ملوك بنى إسرائيل قبل انقسام المملكة إلى مملكتين شمالًا وجنوبًا تحت اسم إسرائيل ويهوذا.
عاش سليمان فى الفترة بين عام ٩٧١ وحتى ٩٣١ قبل الميلاد، لهذا فالعدد متناقص حتى الوصول إلى التقويم الذى يعيشه العالم، فنقول عام ٢٠١٨ من ميلاد السيد المسيح. ومات سليمان عن عمر اثنتين وخمسين سنة، واشتهر بحكمته فى قصة تنازع امرأتين على طفلٍ رضيع تدّعى كل واحدة أنها أم الطفل «وهو طفلٌ حى»، وأراد سليمان بحكمته أن يقسم الطفل بالسيف لتنال كل واحدة من السيدتين نصف طفلٍ، وهنا صرخت الأم الحقيقية قائلة لا يا سيدى، دعها تأخذ الطفل حيًّا، وهنا حكم سليمان للسيدة أنها الأم الحقيقية وليست الأخرى التى لم تمانع اقتسام الطفل ولم يعنها موته، فدفع الملك الحكيم سليمان الرضيع إلى أمه.
وبعد حكمة ذلك الملك النبى سليمان لم يخلُ عصر أو مصر من هذه النماذج، وفى غالب الأوضاع والمواقع من حكماء كسليمان، ومن مدعين للحكمة والمعرفة وهم أبعد ما يقال إنهم يدرون بما يفعلون ولو جلسوا على الكراسى العالية والعروش الذهبية، إلا أنهم لا يضارعون حكمة سليمان.
ذكر سليمان نوعين من الرجال فى صورة المركز والمال، الأول انتقل من بين جماعة العبيد ليتولى ملكا، وغالبا قصد بملكه على العبيد رفقاءه، فاستغل سلطته وسيفه على شركاء وإخوة له ناسيًا من هو، فبدأ يسىء استخدام الكرسى والسيف ممثلًا فى سلطتى القضاء والتنفيذ، فهو من يحكم وهو من ينفذ، حتى بدأ يضرب العبيد رفقاء وزملاء الأمس، وقد لا يكون الضرب عملا جسمانيا فقط، بل هو إساءة استخدام السلطة واحتماء بالمقعد الذى يجلس عليه، وبالعزوة التى من حوله، ناسيا الأمس القريب وما قبل الأمس من رفقته لعبيد زملاء حتى تناول إهانتهم.
وقد يكونون إخوة، إن لم يكن فى الجسد ففى زمالة العمل، ومن قبل الدراسة، ولكنه كعبد لم يمارس الحرية من قبل وفجأة وجد نفسه ممسكا بالعصا فبدأ يضرب العبيد رفقاءه، لأنه عاجز عن إدراك مكانته ورسالته، وفى الوقت ذاته غير قادر على استخدام عصاه على غير الزملاء رفقائه من العبيد، فالأحرار لا يقبلونه، بل بإمكانهم أن يجردوه من مقعده الذى هو ليس له، فقد كان بالأمس لغيره، وما أدراه مَنْ سيجلس عليه من بعده، وفى الغالب الأعم لن يكون من بين العبيد.
أما عن اضطراب الأرض الذى يتحدث عنه الحكيم فهذا ما لم يفهمه العبيد لضيق الأفق ومحدودية الفهم، فبينما يفكر العالم فى قضية اضطراب المناخ وضيق الأحوال التى تدفع الأفارقة للهجرة إلى أوروبا هربًا من الفقر والجوع قبل أن يدركوا سببا آخر للهجرة وهو هجرة الأرض من موطنها الشمسى، كما يهاجر الأفارقة إلى أوروبا، تجد العلماء مهمومين باضطراب المناخ حتى إنهم يقومون بإطلاق سفينة الفضاء ديسكفرى وعلى متنها خمسة علماء ولديهم غذاء وماء يكفى يومين فقط لاستكشاف المجهول ولتواجه الأخطار فى الفضاء البارد السحيق بحثا عن الأجوبة.
وعلى الجانب الآخر نرى المهاجرين الأفارقة الذين قذفتهم الأمواج وهم على شفا الهلاك متجهين إلى الشواطئ الإسبانية الدافئة، لا هربًا من المناخ، بل من الفقر والجوع.
اللافت للنظر أن العالم الغربى مهموم بالتغيرات البيئية ومقاومة الطبيعة ومواجهة غضبتها التى لا ترحم، حيث تسعى دول العالم الأول لعمل كل ما يمكن لمواجهة غضبة المناخ، فيما نرى أركانا أخرى من عالمنا يسعى جهالها إلى الجمع والتخزين على حساب الفقراء والمعوزين، مستغلين سطوتهم وسلطتهم فى الالتفاف على القواعد المرعية والكرامة الإنسانية والقوانين الحاكمة، وهنا يأتى دور الوعى والثقافة وجرأة اقتحام الصعاب التى يحذر منها الحكيم سليمان ويذكرها فى صدر هذا الموضوع. حمانا الله من عبد إذا ملك، وأحمق إذا شبع خبزًا، وشنيعة إذا تزوجت، وأمة إذا ورثت سيدتها.