دنيا وكريم.. وفاء ودعاء
من الولايات المتحدة وفى ساعة مبكرة، أى مع مطلع الفجر كان أول ما لفت نظرى قصة وفاء الشقيقة دنيا، وهى تخرج من غرفة العناية المركزة بعد إجراء عملية زرع جزء من كبدها لشقيقها كريم الذى اجتاز مرحلة صعبة من مرض نادر الإصابة، أدى إلى فشل كبده حتى لم يعد أمامه إلا إجراء عملية نقل جزء من كبد أخرى تتناسب مع طبيعة كبده التى لم تعد صالحة، ولم يكن أمامه إلا شقيقته الوحيدة التى تناسب حالة كبده.
قبلت دنيا الأمر بكل حب وعطاء وسخاء، مع دعاء صادر من كل عارفيهما والأصدقاء، فكنت واحدًا من الداعين، عالمًا أن الله يسمع دعاءنا ولو كنّا على بعد الآلاف من الأميال، لكنه يبقى سبحانه الملاذ الذى نسرع إليه من أجل دنيا وكريم، حتى يعودا بكل الصحة والعافية، وشكرًا لكرمك وحبك وسخائك ووفائك فأنت النموذج للعطاء والوفاء.
وليتنا نأخذ الدرس ممن سبقونا، ففى الولايات المتحدة كثيرون يتبرعون بالكلى والكبد عند وفاتهم، لإيمانهم بأن ما قيمة هذه الأعضاء بعد موت أصحابها فهى إلى زوال، فلماذا لا يستفيد منها مرضى معرضون للموت ربما وهم فى ريعان شبابهم، فلينالوا الشفاء من بعض أجزاء من أجسادنا التى ستتحلل يومًا وتصبح مأكلًا للدود الذى لا يأنف من أجسادنا إذا ما نقص بعض من أعضائنا.
ومن هنا نشارك فى دعائنا أن يخرج الشقيقان كريم ودنيا بكامل الصحة والعافية يعطياننا الدرس فى الحب والسخاء والكرم فى العطاء.
ومن قصة هذا الوفاء نتوجه بدرس لنا جميعًا فى كل بيت وشارع ومدينة أو قرية، بل إلى كل دول العالم داعين الجميع كفانًا من كره وأحقاد، كفانا الحروب المدمرة التى لا يستفيد منها غير تجار الأسلحة، بل كفانا رفضًا لكل من هو آخر سواء لخلاف فى اللغة أو الدين، بل حتى بين أبناء الوطن الواحد أو بين أبناء العمومة والأشقاء حتى وصلت العداوة إلى كراهة الإنسان لنفسه وإقدامه على أعمال انتحارية لأسباب واهية أساسها البغض والكراهية.
ومن دنيا وكريم اللذين ندعو لهما بالصحة والعافية ودوام الحب الذى لا يسقط أبدًا، بل يعلماننا الدرس الذى لا ينسى، وبدورنا نقدمه درسًا لكل بيت وكل قرية ومدينة، بل لكل بلدان العالم، أن تتوقف الحروب والأحقاد والكراهية، ولنعد إلى طاولة البحث فى أسباب الخلاف، هذا إذا كنّا بالفعل جادين. وهنا يأتى السؤال الذى يفرض نفسه: هل توجد على أرض الواقع صداقات مخلصة ودائمة بين الدول والشعوب؟ وفى هذا يكفينا الأديب جبران خليل جبران «منبر الإنسانية هو قلبها الصامت لا عقلها الثرثار». وكان يقصد بهذه المقولة التعاطف مع الكثير من القضايا الإنسانية المهمة، وذلك من خلال الكلام فقط دون الشعور الحقيقى بقضايا الآخرين ولو كانوا من أقرب الجيران وشركاء فى الكثير من الصفات، كاللغات والعقائد والأديان، فيظل العقل واللسان ثرثارين بين منطوق لم يقصد ومقصود لم ينطق، وبينهما تضيع الكثير من المحبة حتى قيل «ربما عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين، وهنا تضيع الحقائق أو تظل تائهة أو معلقة».
وفى الأمثال المتطابقة «الحق يحتاج إلى شخصين، رجل أو امرأة، واحد ينطق به والآخر يفهمه».
أما المقولة الأكثر وضوحًا وتنسب إلى جبران خليل جبران أيضًا فهى «تعلمت الصمت من الثرثار، والتساهل من المتعصب، واللطف من الغليظ، والأغرب من هذا أننى لا أعترف بجميل هؤلاء المعلمين».
وفى مقولة أخرى لذات الأديب الراحل «الصديق المزيف كالظل يمشى ورائى عندما أكون فى الشمس ماشيًا، أما عندما تختفى الشمس وتظلم الدنيا، وأحتاج إلى رفيق يختفى ظلى ويفارقنى». نعم هناك رفاق يرافقونك فى الوسع عندك وفى الحاجة عندهم، أما عندما يحل عليك الظلام وتحتاج لرفيق، فلن تعود ترى من كان فى موقع ظلك.
هل جاء الوقت الذى تلتقى فيه الدول فى وقفة أبطال لا للحرب والدمار، ولكن لنبنى معًا لا نهدم، نحب ولا نكره «نشجع لا نحقد ولا نحسد»، نبنى علاقة إنسانية، تتحول مصانع السلاح إلى مصانع منتجة الكساء، الغذاء، لإنتاج الدواء للشفاء، لا لتوزيع الضربات والركلات والأوبئة. معًا لنقضى على الفقر والجوع والعرى والخزى والدمار فلا نبقى بعد عارًا».