في ذكرى رحيل "حلمى سالم" السادسة: "هل كان رجالُ المطبعة غزاةٌ؟"
حينما صرخ متسائلًا: "هل كان رجالُ المطبعة غزاةٌ؟" في قصيدته "نابليون" لم يكن الشاعر "حلمي سالم" يعلم أن هناك من يتربص بما تنتجه المطابع من كلماته فيحيلها بدلًا من فرع جديد في شجرة الحق والخير والجمال إلي إنشوطة تلتف حول عنقه وتصلبه بتهمة الكفر والزندقة؛ لأنه لم يدرك أن العسس ما زالوا يترصدون خيال الشعراء ويأخذون بظاهر ألفاظهم.
أصدرت محكمة القضاء الإداريّ حكمًا بإلغاء ترخيص مجلة "إبداع" التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب، وذلك لنشرها قصيدة "تسيء إلى الذات الإلهية"٬ والقصيدة المعنية بالحكم هنا هي "شرفة ليلى مراد" للشاعر حلمي سالم، حيث أكدت المحكمة في حيثيات قرارها: "أنه ثبت لديها أن القصيدة وردت بها ألفاظ تسيئ إلى رب العالمين، وأن هذا الفعل يباعد بينها وبين رسالة الصحافة، ومن غير المعقول أن يكون هذا العمل قد نشر عبثًا دون أن يمر على القائم على هذه المجلة الأمر الذي يؤكد أنّ بعضهم لديه القناعة والاستعداد لنشر مثل هذه الإسفافات المتطاولة على ربّ العالمين".
الشاعر الكبير "حلمي سالم" والذي تمر اليوم الذكري السادسة علي رحيله كمدا وحسرة من دعاوي الحسبة التي ما تزال تطارد المبدعين وتفتش وراء أحرفهم وتعقد المحاكمات الواحدة تلو الأخري بنفس الحيثيات ونفس القضاة "يوسف البدري عضو مجمع البحوث الإسلامية" والذي احترف إقامة دعاوي الحسبة علي العديد من المبدعين أمثال الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي٬ الكاتب الروائي جمال الغيطاني ٬ دكتور جابر عصفور٬ الشاعر أحمد الشهاوي وغيرهم.
ولد حلمي سالم في 1951 بمحافظة المنوفية، وتوفي في مثل هذا اليوم من العام 2012، يعتبر من أبرز شعراء مصر في سبعينيات القرن العشرين٬ حصل على ليسانس الصحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة، وعمل صحفيًا بجريدة الأهالي، ومدير تحرير مجلة أدب ونقد الفكرية الثقافية المصرية، ورئيس تحرير مجلة قوس قزح الثقافية المستقلة.
حصل على جائزة التفوق في الآداب للعام 2006، عن مجمل أعماله الأدبية، اقترن حلمي سالم بجماعة "إضاءة" الشعرية التي كانت برفقة جماعة "أصوات" من أشهر الكتل الشعرية في السبعينيات، ومن شعرائها حلمي سالم وحسن طلب وجمال القصاص ورفعت سلام وأمجد ريان ومحمود نسيم.
أصدر ما يزيد عن 18 ديوانًا شعريًا منها: عيد ميلاد سيدة النبع٬ الغرام المُسَلَّحُ٬ الأبيض المتوسط٬ يوجد هنا عميان٬ دهاليزي والصيفُ ذو الوطء٬ مدائح جلطة المخ.
كما ألف عددًا من الكتب النقدية منها: الثقافة تحت الحصار، والوتر والعازفون، وهيا إلى الأب: مقالات حول القطيعة والإيصال في الشعر، والحداثة أخت التسامح: الشعر العربي المعاصر وحقوق الإنسان، وعم صباحا أيها الصقر المجنح: دراسة في شعر أمل دنقل، والتصويب على الدماغ: كلمات في الحرية والقمع، وآخر كتبه المنشورة بعنوان "محاكمة شرفة ليلى مراد؟".
ومن قصيدة "شرفة ليلي مراد" يقول سالم:
الأزبكية
يقسو على نفسه موبّخًا: يالطخ، الجميلات لا يصحّ أن يصعدن السلالم وهن معلّقات على ذكرى الأب الذى يظهر خفيفًا فى القصص.
ظلت دعوة الشاى مؤجلة حتى ماتت التى فى مقام الأمّ أثناء حمّى الطوائف، وقبل موتها بربع قرن اعتزلت ذمية تياترو الأزبكية ليصير لديها وقت لتناول الينسون كطيف من زمان السلطنة.
لعلّنى أنا الذى فى الحديقة، أمزج الشحاذة بالغرام، مصطنعًا الإعرجاج فى ساقى، والعكّاز تحت الإبط، فهل أنت الواقفة فى شرفة ليلى مراد؟.
وحينما خرج عن صمته منافحًا عن الاتهام بسب الذات الآلهية قال سالم: "انتقدت في القصيدة تواكل المسلمين على الله وقعودهم خاملين وهذا معنى ديني ذكر في القرآن الكريم حيث قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والقصيدة قالت هذا المعنى بصورة شعرية بسيطة لم يعتد عليها كل الذين يقرؤون الأدب قراءة حرفية ضيقة".
رحل حلمي سالم، ولكنه لن يكون الأخير في قائمة محاكم التفتيش ودعاوي الحسبة، لأن الله في مصر، كما في البلاد العربية كلّها، "مُحاصَر" بكثرة المنافقين والتجّار.