الطاغية والسينما..هتلر نموذجًا
عندما التقى هتلر السينمائيين عام ١٩٣٣ قبل وصول النازيين للسلطة، خاطبهم قائلًا: «إذا جئنا للسلطة يجب عليكم أن تنتجوا أفلامنا».
كان «أدولف هتلر» ووزير دعايته «جوبلز» على وعى تام بقدرة السينما على تحريك العواطف، وتجميد العقول لخلق أوهام قوية وجمهور أسير.
بطريقة الإخراج السينمائى المحسوب قاما بتطبيق تقنية خلق الدولة من خلال الفن، وذلك بإقامة مجتمع من العروض الفخمة الضخمة والإسراف فى الاحتفالات والعروض الضوئية والإبهار الجماعى. لقد طور نظام هتلر نفسه لكى يصبح حدثًا سينمائيًا ممتدًا، ومن ثم «بعد وصول هتلر للسلطة أصبح كل سيناريو يُفحص فى وزارة الدعاية، ولم يعد بالإمكان تصوير أى فيلم دون موافقة الجهات الرسمية.. وفرض على جميع الذين يعملون فى السينما أن ينتموا إلى غرفة ثقافة الرايخ، التى تقع تحت إشراف جوبلز، واعتبر من لم يفعل غير موثوق به سياسيًا. من لفت الانتباه بشكل غير مستحب واستبعد منها لا يجد عملًا فى ألمانيا كممثل أو مخرج أو راقص أو كاتب سيناريو. واستُخدم الفيلم فى الدعاية على نطاق واسع، فأُدخلت عام ١٩٣٤ بشكل إضافى ساعات لأفلام الشباب، هذه الفعاليات لشبيبة (هتلر) كانت مفتوحة للشبان تحت سن الثامنة عشرة».
وقد اهتمت حكومة النازى بالسينما «كوسيلة للنفاذ إلى ما وراء خطوط العدو وبث الاضطراب والانقسام بين صفوفه وهى طريقة نفسية وكان (هتلر) لا (جوبلز) أعظم أستاذ فى الدعاية العلمية فى عصرنا».
وكان مما فعلوه أيضًا «أنهم غمروا العالم بصور كلها حركة ونشاط، وقوات مدربة تزحف هنا وتجتاح البلاد وتسجل الانتصارات. وقد اهتموا فى الأفلام التى بعثوا بها إلى أمريكا اهتمامًا خاصًا بالشباب والكفاءة، وراحوا يرددون نغمات العالم الجديد المدوية على أسماع أناس فقدوا إيمانهم بالمستقبل. وقد أبدوا احترامًا عظيمًا بطريقة بارعة داهية عند عرض أسراهم من الفرنسيين والإنجليز مبرزين أنظمتهم الحربية النموذجية فى البلاد المحتلة. وقد حرصوا أشد الحرص على تصوير «الفوهرر» كإنسان بسيط كريم الخصال يذرف الدمع على الجرحى من جنوده، ويفيض بالعطف على الأطفال، بادى التواضع فى انتصاراته. لقد كانت الصورة التى قدموها معبرة وإيجابية ومدروسة وبعيدة الأثر.
قدمت السينما الألمانية سلسلة من الأفلام التسجيلية تعتبر نماذج للدعاية وتسخيرًا لكل الإمكانيات الفنية لخدمة السلطة والسياسة وأهم هذه الأفلام: فيلم «انتصار الإرادة» ١٩٣٥ الذى أخرجته «لينى ريفشتال» حول الحملة الحزبية فى مدينة «نومبرج» عام ١٩٣٤، وهو ملحمة بطولية عن النظام الجديد، كأنه عمل هائل من أعمال القديسين، وحدث معاصر من أحداث وسائل الإعلام حيث تتم إعادة تمثل الحدث أمام حشد من آلات الكاميرا. والفيلم يصور مستشار الرايخ وهو يرتدى أزياء أسطورية كأنه المخلص الذى يهبط من بين السحب لكى يبعث الروح فى أتباعه المخلصين الذين يجتمعون حوله ليكملوا تلك الزينة الجماهيرية للوحة حتى يقسموا على الولاء غير المشروط له.
وفى فيلم «أوليمبيا» ١٩٣٨ الذى يسجل وقائع دورة برلين الأوليمبية فى عام ١٩٣٦، يصبح هتلر بشكل حرفى إلهًا كلاسيكيًا معبودًا، بنظرته التى تعبر عن تلك القوة الكلية. ويبدأ الجزء التمهيدى من الفيلم فى اليونان فى معبد زيوس، وينتهى فى برلين بصورة بروفايل جانبى لهتلر. إن القائد يقف كسيد بلا منازع لهذه الاحتمالات، أو كأنه الكائن الأعلى والأعظم الذى يمنح الأمة والشعب وجودهما. لقد كان عالم الفن والنازية متوافقين معًا.
وقد توطدت علاقة هتلر بعدد من صناع السينما مثل المخرجة «لينى ريفشتال»، إضافة إلى نجمات السينما الألمانية ومنهن: النجمة «مارلين ديتريتش»، حيث سلطت كاتبة السيرة الذاتية الأمريكية، الألمانية الأصل، «شارلوت شاندلر»، الأضواء على حياة نجمة الإغراء الأمريكية الألمانية. وحكى الكتاب عن المخاوف التى انتابتها بسبب تصاعد المد النازى فى موطنها الأصلى ألمانيا. وكانوا فى ألمانيا آنذاك ينظرون إليها باعتبارها خائنة لكونها رفضت العودة والقيام بتمثيل أفلام فى استديوهات «يوفا» التى كانت تديرها الدولة، والتى كانت تقوم بالدعاية آنذاك للرايخ الثالث. وذكر الممثل الأمريكى فيربانكس صديق مارلين ديتريتش: «أنها وافقت على تمثيل أحد الأفلام فى ألمانيا بشرط أن تقضى ليلة وحدها مع الزعيم النازى»، كما ذكر «فيربانكس» أنها كانت تنوى من وراء ذلك قتل هتلر.