الخوف الصحى.. والخوف المرضى
الخوف الصحى هو المعبر عنه بمخافة الله، أى البعد عن المعاصى والآثام والشرور، وهذا هو الجانب السلبى، أما الجانب الإيجابى من الخوف بمعنى مخافة الله، فهو فعل الخير للجميع وحب الوطن والدفاع عنه عند تعرضه للخطر، فيقال: «مخافة الله فى قلوب المؤمنين»، أى أنه خوف مما يكرهه الخالق لا خوفًا منه ولا طمعًا فيه، بل هو الحب الحقيقى الذى يربط المؤمن بخالقه حتى قال الشاعر: إنى أحب الله لا طمعًا فى جنة ولا خوفًا من نار. لكن أحبه لأن حبه لى يحل وهو الذى من فضله أحبنى من قبل.. والخوف الطبيعى فى المعتاد يكون خوفًا من المرض، والخوف من الموت، أو الخوف من الفشل، والخوف من عدم وجود أمن مع تكرار وقوع حوادث خطيرة، أو الخوف من الافتقار أو الخسارة الفادحة.
يُعرِّف علماء النفس الخوف بأنه شعور يصيب الإنسان من حدوث أمر جلل، وقد تكون له مسببات موجودة فى الواقع، أو مجرد خواطر أو قراءات فى قصص أو أفلام، وقد يكون الخوف نتيجة لاضطرابات هرمونية، أو قد يسببه وجود خطر فعلى للشخص المرتبك والخائف. وهناك خوف له مبرره كصعود الفرد إلى قمم عالية، أو أن يجد نفسه أمام حيوان مفترس أو شرس، فمن عضّه كلب فى طفولته وعانى من ذلك فلا شك أنه يخاف الكلاب الضالة وحتى غير الضالة إذا كانت مطلقة.. وقد تكون أسباب الخوف مرور الشخص فى طفولته بتجارب مخيفة بالنسبة للطفل، ولم تعالج فى حينها وتركت تأثيرها فى ذاكرة الطفل، ومنها شجار الآباء والأمهات، والعنف بينهما فى وجود الطفل الصغير، وكأنه لا يعنيهما فى شىء، أو أنه طفل لا يدرك، أو غير موجود، مع العلم أن الطفل الصغير له مدارك ومشاعر حتى إنه يبكى ويضحك ويجوع ويشبع، لكنه مولود لم يعرف الخوف قبل ولادته.
ومن أنواع الخوف ما يسمى الرهاب، الذى يبدأ منذ الطفولة نتيجة مواقف مخيفة ولم تفسر أو تبرر فى حينها، فيظل متأثرًًا بها وغير قادر على التخلص من أثرها، حتى ينعكس الخوف على جوانب أخرى لا خطر منها ولا أذى بسببها، كالخوف من الظلام حتى أثناء النوم، أو الخوف من فقدان من يحب مثل الآباء والإخوة والأصدقاء.
ومن أسوأ مصادر الخوف، ذلك الذى يواجهه الطفل فى مراحل تعليمه فى غالبية مدارس تكلفت الكثير فى إقامتها وتأثيثها وتعيين معلمين ومشرفين ورؤساء، فضلًا عن مواد تستخدم للتعلم، وإذا بالطفل السعيد بيومه الأول أن يلتحق بالمدرسة التى يحلم بها وإذا به يواجه بقسوة المعلم وعصاه الغليظة وطرق ووسائل تأديبه، وكأن الطفل لم يولد فى بيت ولم يهذب من والديه، فها هو المعلم أو المعلمة يقوم بدور المؤدب والمعاقب تارة بالعصا وأخرى بالإهانة والتحقير، وللأسف بعض الآباء الذين لم يوفقوا، أو لنقل أخفقوا فى تربية صغارهم، فلا مانع، بل من المنتظر من معلمى الطفل أن يقوموا هم بما أخفقت أو قصّرت فيه الأسرة، وكنا نسمع قول الأم أو الأب: «اكسر ضلع الصغير فإن له أربعة وعشرين ضلعًا».
ومن أعراض الخوف تغير فى لون البشرة يظهر على الوجه الذى يميل لونه إلى الاصفرار، ثم يبيض باهتًا نتيجة لنقص الدم الموزع على البشرة، مصاحبًا بسرعة ضربات القلب مع إحساس بالتوتر وعرق يبدأ بكفى اليد، كل هذا مع فقدان الشهية مع تعب عام غير محدد، وفى الأطفال الكبار يحدث تبول لا إرادى، وللأسف رأينا تلاميذ فى المدارس لخوفهم من عقاب المعلم جسديًا ونفسيًا، وقد تبولوا لا إراديًا مما يزيد من كراهية الطفل للمدرسة، وبالتالى يصل به الحال إلى فشل عام. ويكبر الطفل الخائف، ليصبح شابًا عاجزًا عن مواجهة الحياة، مع حياة ملؤها القلق غير العقلانى وغير المبرر، ويلازمه بالضرورة إحباط أيضًا غير مبرر، حتى إنه يبحث عن أسباب لتبرير مواقفه، والتى لا وجود لها لكنها عالقة بالذهن ربما منذ طفولته بسبب حدث وقع أمامه، وسرعان ما يدخل الفرد فيما يعرف بالفوبيا أو المخاوف المركبة، وقد لا يكون لبعضها ما يبررها، كل هذا يصاحبه توتر، وبالتالى عصبية فى اتخاذ القرارات، لا سيما إذا كان فى موقع قيادى حتى صنفوا الفوبيا، وفقا لمبررات الخوف ومسبباتها مثل فوبيا الوحدة وفوبيا الخلاء الواسع والفوبيا من الحيوان كالخوف من الكلاب، لأن كلبًا عضه فى طفولته أو قطًا أذاه.
كما توجد فوبيا اجتماعية، وهى منتشرة بكثرة فى بلادنا بسبب عزل الأطفال عن الكبار خوفًا من الإزعاج أو الحرج، ويكبر الطفل والخوف فى ذهنه، وهناك فوبيا المرتفعات والخوف من صعودها، حتى إن من يصابون بها يعانون كثيرًا فى الطيران منذ لحظة تحليق الطائرة وحتى هبوطها، وقبل الدخول فى وسيلة علاجية ليتنا نلفت نظر الآباء والمربين إلى خطورة التخويف سواء كان بالعقاب البدنى أو بالحرمان النفسى حتى يصبح الطفل خائفًا بسبب ودون سبب، ويكبر الخوف فيه مع تقدمه العمرى. كما أن زيارة الطبيب النفسى مهمة، وللأسف غالبية الشعب لا تعرف طريق الطبيب النفسى، إلا بعد أن تكون الأمور قد أفسدت بالفعل حياة الصغير أو الشاب.
وباعتبارنا شعبًا متدينًا، فالإيمان بوجود خالق يهتم بالإنسان ويعينه ويحميه ويرعاه وهو القادر على كل شىء ولا يعسر عليه أمر، فإن ذلك اليقين الإيمانى يساعد على الخروج من الأزمة، ويرى الأطباء أو علماء الصحة أن الخوف المرضى من الأمراض الخطرة، وهو المسبب فى حالات كثيرة لأمراض مثل السكرى وضغط الدم وأمراض القلب وكسل الغدد، بالإضافة إلى أمراض نفسية كانفصام الشخصية وفقدان الثقة بالنفس والتردد فى اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى الوسوسة والأوهام والأرق والدخول فى الاكتئاب الشديد مع التوتر دون أسباب حقيقية تدعو إليه، ثم الخوف من الموت، ويتدرج الموقف إلى ضعف شديد للذاكرة.. ويرجع التوتر المستمر إلى فقدان الثقة بالنفس. وكل هذه الأعراض بل الأمراض تنعكس على معاملات الشخص مع الآخر، بداية من الأسرة وحتى الآخرين ممن يتعامل معهم، ولا يراعى الذين حوله خاصة فى البيت، بل هناك مبرر للعنف مع الإخوة والزوجة والأبناء ثم الزملاء.
وتقع الكارثة فى حالة دخول المعلم فى هذه الحالة دون وعى من الذين حوله، أو فى حالة كونه أو كونها ترأس المؤسسة. أما إذا كان المريض غير المعترف بمرضه يمتلك تلك المؤسسة فإنها حتمًا ستسقط، وينفر العاملون، وتخرب المؤسسة بكل الأسف عليها.. ولا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد شىء مستحب اسمه الخوف الصحى، فالخوف نقيض الوعى والمعرفة، فهل جاء الوقت الذى نرى فيه المعلم أو المعلمة فى موقف الآباء الحانين على أبنائهم، وقدوة صالحة لتنشئة جيل جديد يحرص على رعايته كما يرعى أولاده من أجل مستقبل أفضل ليس شعاره العصا واكسر ضلعًا فالباقى يكفى.