الفنان السوري نضال خضور: يجب استبدال كتب الدين في المناهج بالأخلاق
قال المثَّال السوري نضال خضور لـ"الدستور": "أنا لا أرسم للحرب ولا أرسم المأساة٬ ما يهمني هو استمتاع المتلقي بالعمل الفني، وبالتالي محاولاتي الفنية هي دعوة للجمال الذي نبحث عنه دائما بعيدا عن الشريط الإخباري المليء بالمآسي خصوصا مع بداية عام 2011، فعلينا أن نبحث دائما عن الجمال وأن نسعى لنشر ثقافة الجمال والتسامح بين أفراد المجتمع".
ويري المثال السوري المقيم حاليا في الإمارات العربية المتحدة٬ أن الحركة التشكيلية السورية قوية جدا، وخصوصا لجيل الشباب اليوم الذي ربما لم يأخذ بعد مكانه الطبيعي على الخارط، وتحدث عن العديد من القضايا المطروحة على الساحة العالمية.
وإلى نص الحوار:
- حدثنا عن بدايات تجربتك مع الفن التشكيلي، وأهم ملامح تلك التجربة؟
الفن مبتدأ الروح وراحتها٬ جمالها وعشقها٬ حزنها وفرحها. هو سيد المشهد في الحياة بكل انفعالاته، وطاقاته هو سيد الأرواح. يسعى الفلاسفة إلى تفسير وبرهنة الظواهر بالمنطق العلمي٬ فيما يسعى الفنانون والأدباء إلى الإقناع بإثارة الأحاسيس وتحريك المشاعر.
الفن هو الخربشات البسيطة وأنت طفل لا تدرك بعد طاقاتك٬ وهو فرحة أمك بتلك الخطوط البسيطة الملونة التي لا تعني شيئا٬ وهو فرحتك أنت وقد خلقت عالما كبيرا في مساحة ورقية أصغر من جسدك؛ ومعظم أعمالي تدور حول الطبيعة٬ أهتم بمعالجة اللون أكثر من الفكرة.
قررت أن ألتحق بكلية الفنون الجميلة حين كنت في السادسة عشرة٬ فانتسبت إلى معهد صبحي شعيب للفنون التشكيلية في حمص، وهو معهد تابع لوزارة الثقافة، يشرف عليه أساتذة كبار في عالم الفن التشكيلي. ثم تابعت بعد ذلك دراستي في الكلية. أحمل شهادة بكالوريوس في الفنون الجميلة في اختصاص النحت، وتعلمت أصول الرسم وقواعده من تشريح وإسقاط الضوء والظل والنسب حتى أصبح لدي أسلوبي الخاص في اللون والعمل الفني، وبدأت أقدم في أعمالي اللون على الفكرة٬ حيث تحمل رؤية لونية أكثر من حملها بعدا فلسفيا.
ولا أجد نفسي نحاتا بقدر ما أجد نفسي في الألوان، حيث تأخذني المساحات البيضاء لعوالم لونية مختلفة.. فأنا أعشق الطبيعة والأرض؛ وقد أثرت بي طبيعة مدينة العين حيث أقيم فهي تشبه بلادي نوعا ما، خصوصا وأنا لم أر سوريا منذ عام 2009 قبل الحرب بسنتين ولكني غادرتها ولم تغادرني.
وفي رصيدي العديد من المعارض الجماعية، كانت بدايتها في تسعينيات القرن الماضي٬ ومنها المعرض المشترك الأخير مع جمعية الإمارات للفنون الجميلة بصفتي عضوا جديدا في الجمعية. وكذلك عرضت في ميلانو وتركيا، ولي معرض فردي في الرابطة الفرنسية في أبو ظبي بعنوان لقطات من الطبيعة والإنسان عام 2015.
- ما الظلال التي تركتها الحرب علي أعمالك بصفة خاصة٬ وعلي الحركة التشكيلية في سوريا بصفة عامة؟
أنا لا أرسم للحرب ولا أرسم المأساة٬ ما يهمني هو استمتاع المتلقي بالعمل الفني وبالتالي محاولاتي الفنية هي دعوة للجمال الذي نبحث عنه دائما بعيدا عن الشريط الإخباري المليء بالمآسي خصوصا مع بداية عام 2011.
الحرب مأساة مستمرة ربما تتوقف آلامها ولكن أحزانها دائمة٬ اليوم في كل بيت سوري هناك شهيد أو مفقود، ولكن نحن شعب حي٬ متجدد٬ يحب الحياة دائما رغم كل تلك المآسي لذا ترين اليوم في سوريا نشاطا فنيا وتشكيليا مستمرا، فالشهداء الذين قضوا٬ إنما رحلوا كي نستمر وتستمر الحياة لا أن نحولها إلى لوحات كئيبة سوداوية تمنعنا من إعادة بناء الوطن والدولة.
- الفن التشكيلي متهم بأنه بعيد عن المجتمعات وأنه في برج عاجي.. ترى ما تفسيرك؟
فكرة أن الفن للفن أنا ضدها تماما ولم أعد أجدها اليوم. وفي سوريا تشهد صالات العرض حضورا كثيفا خصوصا من جمهور الشباب٬ الذي يعاصر الأزمة التي تمر بها البلاد وهذا دليل آخر على أننا نحب الحياة. الفن هو للناس جميعهم٬ لكل متلق القدرة على تفسير العمل الفني انطلاقا من ثقافته الفنية وإحساسه بالعمل، فأنا لا أرسم كي أحتفظ بأعمالي لنفسي٬ اللوحة يجب أن تشاهد وتعرض للناس ونتحاور فيها ومن خلالها، لذا تلاحظين أنني الأكثر ابتعادا عن فكرة الأبراج العاجية تلك.
- وماذا عن متحف اللوفر بأبو ظبي؟
رغم الضجة التي أثيرت فنيا حوله ولكن هذا الصرح المعماري والفني الضخم هو إضافة رائعة لمنطقتنا العربية ودولة الإمارات بالتحديد٬ وهي فرصة للاستمتاع بأعمال كبار الفنانين وأساتذة الفن ومشاهدة أعمالهم الأصلية. لا أستطيع وصف الإحساس الرائع وأنا أقف أمام أعمال ليوناردو دافنشي وفان جوخ وبول سيزان٬ إضافة إلى أنني عندما كنت في دمشق٬ كنت زائرا دائما لمتحف دمشق الوطني فهو من الأماكن التي تلهمني وتحرضني على العمل٬ إضافة لرائحة دمشق وعبق تاريخها. وعند زيارتي للوفر أبو ظبي عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الجميلة٬ ففي اللوفر أبو ظبي قطع فنية تعود لآلاف السنين، ومنها الكثير من بلاد الشام ومصر والعراق٬ وعرض هذه الأعمال في منطقتنا العربية أعتقد أنه ساعد في التخفيف من الألم الذي نشعر به عندما نرى تاريخنا (المسروق) يعرض في الخارج.
- كان الموديل العاري رائجا في سوريا لكن الفكرة اندثرت فكيف ومتي حدث ذلك؟
لم يكن هناك قرار رسمي بوقف استخدام الموديل العاري في كلية الفنون الجميلة بدمشق٬ وفي فترة الستينيات من القرن الماضي أيام البناء القديم للكلية والعديد القليل من الطلاب المنتسبين كان الموديل العاري واحدا من أساسيات الدراسة الأكاديمية٬ والفنانة السورية القديرة الراحلة "نبيلة النابلسي" كانت موديلا موظفا في تلك الأيام. ولكن ربما مع انخفاض الميزانية٬ وتغير المناخ الاجتماعي في سوريا حيث٬ أصبح أكثر انغلاقا اختفت فكرة الموديل العاري شيئا فشيئا٬ واستبدلت بموديل حي آخر ولكن دون عري. ولكن كيف يمكن أن ترسم جسدا بطريقة صحيحة إن لم تكن قادرا على رؤية تفاصيله ومظاهره التشريحية؟ وبالتالي كنا كطلاب نقوم برسم بعضنا البعض في مراسمنا الخاصة أو بيوتنا٬ ومنهم من يستأجر موديل خاص للرسم بنظام الساعة. فالدراسة التشريحية ضرورة، فالجسد ثقافة كما الفن٬ ويتمنى معظم طلاب الفنون اليوم عودة الموديل العاري لأروقة الكلية، مع العلم أنه في عداد موظفي الكلية من كانت تسميته أو تسميتها الوظيفية موديل٬ بينما تقوم بأعمال إدارية أو تجلس كموديل غير عار للرسم أو النحت.
- هل تتقبل المجتمعات العربية والسورية تحديدا عودة هذا الفن مرة أخري؟
لا يمكن تعميم موافقة أو رفض مجتمع على أمر ما٬ أستطيع القول إن معظم الفنانين وخصوصا جيل الشباب لا يرفض فكرة الموديل العاري٬ وبالمقابل الاتجاهات الدينية الموجودة داخل كل مجتمع سوف ترفض هذه الفكرة٬ دوما هناك صراع بين الاتجاه العلماني المتحرر والاتجاه الديني المتعصب٬ وهذا الصراع لن ينتهي إلا عندما نقوم بدورنا كفنانين ومثقفين في العمل على توعية المجتمع ونهضته٬ وفصل الدين عن الدولة، ولكن لكل طرف طرقه في الوصول إلى المجتمع وتعبئته بما يخدم رؤياه، وللأسف الاتجاه الديني المتزمت يستطيع التغلغل داخل عقول الأفراد والتأثير عليها لعدم وجود الوعي الكافي٬ ولمحاولة معظم الدول استرضاء هذا الطرف ( لتجنب شروره) وهذا ما أثبت فشله خصوصا في بداية العام 2011 في سوريا، عندما انطلقت تلك الجموع الغاضبة بتأثير قوي وواضح من أصحاب اللحى العفنة لتدمر دولة وحضارة وشعبا.
- كيف يكون للفنون التشكيلية دور في مقاومة التطرف٬ هنا أتحدث عن الدور العاجل؟
نقاوم التطرف بالجمال والفن والفكرة. لنتخلص من الكتب الدينية في مناهجنا ونستبدلها بكتب الأخلاق٬ لننهي ذاك الصراع القديم بين مذاهب وطوائف مختلفة٬ يحركها من يحركها لضمان سيطرته على شعوبنا٬ لنتحرر من القيود التي تكبل إبداعنا ولنكن أكثر حرصا على خلق جيل واع ومثقف ومتحرر من عاداته السيئة وتقاليده البالية.
الفنان التشكيلي لا يستطيع وحده العمل على ذلك، بل يجب أن تكون هناك رؤية استراتيجية واضحة المعالم تشارك فيها الدولة والشعب.
- كيف ترى موقع الحركة التشكيلية السورية على خارطة الفن التشكيلي عالميا وعربيا؟
مع دخول الصالات الخاصة إلى سوريا وما تحمله من إمكانيات وخبرات٬ انتقل الفنان السوري من المحلية إلى العالمية بسرعة٬ واشتهرت أسماء كثيرة على مستوى العالم ساعدها في ذلك القدرة التسويقية الهائلة التي تتمتع بها تلك الصالات٬ وارتفع سعر اللوحة السورية وأصبحت متواجدة في المزادات العالمية.
الحركة التشكيلية السورية قوية جدا، وخصوصا لجيل الشباب اليوم الذي ربما لم يأخذ بعد مكانه الطبيعي على الخارطة٬ رغم وجود الكفاءات الفنية والإبداعية العالية لدى الجيل الجديد ونستطيع القول إن ظاهرة الشللية ما زالت موجودة وبكثرة.
- إلي أي مدي أثر ما تم استحداثه من وسائط تكنولوجية٬ كالفيديو آرت والأعمال المركبة٬ في الحركة الفنية في سوريا وعليك خاصة؟
لا أحب العمل على الفيديو آرت ولا الأعمال المركبة٬ لا تشدني ولا تبهرني وأعتقد أنها فلسفة فارغة للعرض والظهور فقط٬ هذا النوع من الأعمال لديه جمهوره بالتأكيد وأنا لست منهم. أعشق المساحات البيضاء التي ألونها كما أشتهي٬ ولا أعتقد أن لهذا النوع من الفن ديمومة أو استمرار٬ فما زلنا نحفظ أعمال التشكيلين الأساتذة والرواد: بول سيزان٬ فان جوخ٬ فاتح المدرس٬ رودان.
ولا أعتقد أنه يمكن لي أو للعديد منا تذكر اسم صاحب عمل فيديو آرت خلال الخمسين سنة الماضية، أشعر أن بعض أعمال التركيب صنعت للشهرة فقط أو للسخرية مني كمتلقي٬ لست مضطرا لأمدح أي عمل تركيبي أو فيديو آرت كي أثبت أنني فنان مثلا، والقليل جدا منها ممكن أن يثير انتباهي.
- كيف سيشارك الفنانون التشكيليون في إعادة ما خربته الحرب في سوريا؟
علينا أن نبحث دائما عن الجمال وأن نسعى لنشر ثقافة الجمال والتسامح بين أفراد المجتمع٬ الشهداء يرحلون كي نستمر بالحياة٬ رغم الألم الكبير بفقدانهم والجراح التي لا تنسى٬ ولكن الحياة مستمرة٬ ورغم صعوبة هذا القول على من فقد عزيزا في هذه الحرب، ولكن هذه هي الدنيا٬ هي رحلة قصيرة٬ فلنستمتع بها.
قال المثَّال السوري نضال خضور لـ"الدستور": "أنا لا أرسم للحرب ولا أرسم المأساة٬ ما يهمني هو استمتاع المتلقي بالعمل الفني، وبالتالي محاولاتي الفنية هي دعوة للجمال الذي نبحث عنه دائما بعيدا عن الشريط الإخباري المليء بالمآسي خصوصا مع بداية عام 2011، فعلينا أن نبحث دائما عن الجمال وأن نسعى لنشر ثقافة الجمال والتسامح بين أفراد المجتمع".
ويري المثال السوري المقيم حاليا في الإمارات العربية المتحدة٬ أن الحركة التشكيلية السورية قوية جدا، وخصوصا لجيل الشباب اليوم الذي ربما لم يأخذ بعد مكانه الطبيعي على الخارط، وتحدث عن العديد من القضايا المطروحة على الساحة العالمية.
وإلى نص الحوار:
- حدثنا عن بدايات تجربتك مع الفن التشكيلي، وأهم ملامح تلك التجربة؟
الفن مبتدأ الروح وراحتها٬ جمالها وعشقها٬ حزنها وفرحها. هو سيد المشهد في الحياة بكل انفعالاته، وطاقاته هو سيد الأرواح. يسعى الفلاسفة إلى تفسير وبرهنة الظواهر بالمنطق العلمي٬ فيما يسعى الفنانون والأدباء إلى الإقناع بإثارة الأحاسيس وتحريك المشاعر.
الفن هو الخربشات البسيطة وأنت طفل لا تدرك بعد طاقاتك٬ وهو فرحة أمك بتلك الخطوط البسيطة الملونة التي لا تعني شيئا٬ وهو فرحتك أنت وقد خلقت عالما كبيرا في مساحة ورقية أصغر من جسدك؛ ومعظم أعمالي تدور حول الطبيعة٬ أهتم بمعالجة اللون أكثر من الفكرة.
قررت أن ألتحق بكلية الفنون الجميلة حين كنت في السادسة عشرة٬ فانتسبت إلى معهد صبحي شعيب للفنون التشكيلية في حمص، وهو معهد تابع لوزارة الثقافة، يشرف عليه أساتذة كبار في عالم الفن التشكيلي. ثم تابعت بعد ذلك دراستي في الكلية. أحمل شهادة بكالوريوس في الفنون الجميلة في اختصاص النحت، وتعلمت أصول الرسم وقواعده من تشريح وإسقاط الضوء والظل والنسب حتى أصبح لدي أسلوبي الخاص في اللون والعمل الفني، وبدأت أقدم في أعمالي اللون على الفكرة٬ حيث تحمل رؤية لونية أكثر من حملها بعدا فلسفيا.
ولا أجد نفسي نحاتا بقدر ما أجد نفسي في الألوان، حيث تأخذني المساحات البيضاء لعوالم لونية مختلفة.. فأنا أعشق الطبيعة والأرض؛ وقد أثرت بي طبيعة مدينة العين حيث أقيم فهي تشبه بلادي نوعا ما، خصوصا وأنا لم أر سوريا منذ عام 2009 قبل الحرب بسنتين ولكني غادرتها ولم تغادرني.
وفي رصيدي العديد من المعارض الجماعية، كانت بدايتها في تسعينيات القرن الماضي٬ ومنها المعرض المشترك الأخير مع جمعية الإمارات للفنون الجميلة بصفتي عضوا جديدا في الجمعية. وكذلك عرضت في ميلانو وتركيا، ولي معرض فردي في الرابطة الفرنسية في أبو ظبي بعنوان لقطات من الطبيعة والإنسان عام 2015.
- ما الظلال التي تركتها الحرب علي أعمالك بصفة خاصة٬ وعلي الحركة التشكيلية في سوريا بصفة عامة؟
أنا لا أرسم للحرب ولا أرسم المأساة٬ ما يهمني هو استمتاع المتلقي بالعمل الفني وبالتالي محاولاتي الفنية هي دعوة للجمال الذي نبحث عنه دائما بعيدا عن الشريط الإخباري المليء بالمآسي خصوصا مع بداية عام 2011.
الحرب مأساة مستمرة ربما تتوقف آلامها ولكن أحزانها دائمة٬ اليوم في كل بيت سوري هناك شهيد أو مفقود، ولكن نحن شعب حي٬ متجدد٬ يحب الحياة دائما رغم كل تلك المآسي لذا ترين اليوم في سوريا نشاطا فنيا وتشكيليا مستمرا، فالشهداء الذين قضوا٬ إنما رحلوا كي نستمر وتستمر الحياة لا أن نحولها إلى لوحات كئيبة سوداوية تمنعنا من إعادة بناء الوطن والدولة.
- الفن التشكيلي متهم بأنه بعيد عن المجتمعات وأنه في برج عاجي.. ترى ما تفسيرك؟
فكرة أن الفن للفن أنا ضدها تماما ولم أعد أجدها اليوم. وفي سوريا تشهد صالات العرض حضورا كثيفا خصوصا من جمهور الشباب٬ الذي يعاصر الأزمة التي تمر بها البلاد وهذا دليل آخر على أننا نحب الحياة. الفن هو للناس جميعهم٬ لكل متلق القدرة على تفسير العمل الفني انطلاقا من ثقافته الفنية وإحساسه بالعمل، فأنا لا أرسم كي أحتفظ بأعمالي لنفسي٬ اللوحة يجب أن تشاهد وتعرض للناس ونتحاور فيها ومن خلالها، لذا تلاحظين أنني الأكثر ابتعادا عن فكرة الأبراج العاجية تلك.
- وماذا عن متحف اللوفر بأبو ظبي؟
رغم الضجة التي أثيرت فنيا حوله ولكن هذا الصرح المعماري والفني الضخم هو إضافة رائعة لمنطقتنا العربية ودولة الإمارات بالتحديد٬ وهي فرصة للاستمتاع بأعمال كبار الفنانين وأساتذة الفن ومشاهدة أعمالهم الأصلية. لا أستطيع وصف الإحساس الرائع وأنا أقف أمام أعمال ليوناردو دافنشي وفان جوخ وبول سيزان٬ إضافة إلى أنني عندما كنت في دمشق٬ كنت زائرا دائما لمتحف دمشق الوطني فهو من الأماكن التي تلهمني وتحرضني على العمل٬ إضافة لرائحة دمشق وعبق تاريخها. وعند زيارتي للوفر أبو ظبي عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الجميلة٬ ففي اللوفر أبو ظبي قطع فنية تعود لآلاف السنين، ومنها الكثير من بلاد الشام ومصر والعراق٬ وعرض هذه الأعمال في منطقتنا العربية أعتقد أنه ساعد في التخفيف من الألم الذي نشعر به عندما نرى تاريخنا (المسروق) يعرض في الخارج.
- كان الموديل العاري رائجا في سوريا لكن الفكرة اندثرت فكيف ومتي حدث ذلك؟
لم يكن هناك قرار رسمي بوقف استخدام الموديل العاري في كلية الفنون الجميلة بدمشق٬ وفي فترة الستينيات من القرن الماضي أيام البناء القديم للكلية والعديد القليل من الطلاب المنتسبين كان الموديل العاري واحدا من أساسيات الدراسة الأكاديمية٬ والفنانة السورية القديرة الراحلة "نبيلة النابلسي" كانت موديلا موظفا في تلك الأيام. ولكن ربما مع انخفاض الميزانية٬ وتغير المناخ الاجتماعي في سوريا حيث٬ أصبح أكثر انغلاقا اختفت فكرة الموديل العاري شيئا فشيئا٬ واستبدلت بموديل حي آخر ولكن دون عري. ولكن كيف يمكن أن ترسم جسدا بطريقة صحيحة إن لم تكن قادرا على رؤية تفاصيله ومظاهره التشريحية؟ وبالتالي كنا كطلاب نقوم برسم بعضنا البعض في مراسمنا الخاصة أو بيوتنا٬ ومنهم من يستأجر موديل خاص للرسم بنظام الساعة. فالدراسة التشريحية ضرورة، فالجسد ثقافة كما الفن٬ ويتمنى معظم طلاب الفنون اليوم عودة الموديل العاري لأروقة الكلية، مع العلم أنه في عداد موظفي الكلية من كانت تسميته أو تسميتها الوظيفية موديل٬ بينما تقوم بأعمال إدارية أو تجلس كموديل غير عار للرسم أو النحت.
- هل تتقبل المجتمعات العربية والسورية تحديدا عودة هذا الفن مرة أخري؟
لا يمكن تعميم موافقة أو رفض مجتمع على أمر ما٬ أستطيع القول إن معظم الفنانين وخصوصا جيل الشباب لا يرفض فكرة الموديل العاري٬ وبالمقابل الاتجاهات الدينية الموجودة داخل كل مجتمع سوف ترفض هذه الفكرة٬ دوما هناك صراع بين الاتجاه العلماني المتحرر والاتجاه الديني المتعصب٬ وهذا الصراع لن ينتهي إلا عندما نقوم بدورنا كفنانين ومثقفين في العمل على توعية المجتمع ونهضته٬ وفصل الدين عن الدولة، ولكن لكل طرف طرقه في الوصول إلى المجتمع وتعبئته بما يخدم رؤياه، وللأسف الاتجاه الديني المتزمت يستطيع التغلغل داخل عقول الأفراد والتأثير عليها لعدم وجود الوعي الكافي٬ ولمحاولة معظم الدول استرضاء هذا الطرف ( لتجنب شروره) وهذا ما أثبت فشله خصوصا في بداية العام 2011 في سوريا، عندما انطلقت تلك الجموع الغاضبة بتأثير قوي وواضح من أصحاب اللحى العفنة لتدمر دولة وحضارة وشعبا.
- كيف يكون للفنون التشكيلية دور في مقاومة التطرف٬ هنا أتحدث عن الدور العاجل؟
نقاوم التطرف بالجمال والفن والفكرة. لنتخلص من الكتب الدينية في مناهجنا ونستبدلها بكتب الأخلاق٬ لننهي ذاك الصراع القديم بين مذاهب وطوائف مختلفة٬ يحركها من يحركها لضمان سيطرته على شعوبنا٬ لنتحرر من القيود التي تكبل إبداعنا ولنكن أكثر حرصا على خلق جيل واع ومثقف ومتحرر من عاداته السيئة وتقاليده البالية.
الفنان التشكيلي لا يستطيع وحده العمل على ذلك، بل يجب أن تكون هناك رؤية استراتيجية واضحة المعالم تشارك فيها الدولة والشعب.
- كيف ترى موقع الحركة التشكيلية السورية على خارطة الفن التشكيلي عالميا وعربيا؟
مع دخول الصالات الخاصة إلى سوريا وما تحمله من إمكانيات وخبرات٬ انتقل الفنان السوري من المحلية إلى العالمية بسرعة٬ واشتهرت أسماء كثيرة على مستوى العالم ساعدها في ذلك القدرة التسويقية الهائلة التي تتمتع بها تلك الصالات٬ وارتفع سعر اللوحة السورية وأصبحت متواجدة في المزادات العالمية.
الحركة التشكيلية السورية قوية جدا، وخصوصا لجيل الشباب اليوم الذي ربما لم يأخذ بعد مكانه الطبيعي على الخارطة٬ رغم وجود الكفاءات الفنية والإبداعية العالية لدى الجيل الجديد ونستطيع القول إن ظاهرة الشللية ما زالت موجودة وبكثرة.
- إلي أي مدي أثر ما تم استحداثه من وسائط تكنولوجية٬ كالفيديو آرت والأعمال المركبة٬ في الحركة الفنية في سوريا وعليك خاصة؟
لا أحب العمل على الفيديو آرت ولا الأعمال المركبة٬ لا تشدني ولا تبهرني وأعتقد أنها فلسفة فارغة للعرض والظهور فقط٬ هذا النوع من الأعمال لديه جمهوره بالتأكيد وأنا لست منهم. أعشق المساحات البيضاء التي ألونها كما أشتهي٬ ولا أعتقد أن لهذا النوع من الفن ديمومة أو استمرار٬ فما زلنا نحفظ أعمال التشكيلين الأساتذة والرواد: بول سيزان٬ فان جوخ٬ فاتح المدرس٬ رودان.
ولا أعتقد أنه يمكن لي أو للعديد منا تذكر اسم صاحب عمل فيديو آرت خلال الخمسين سنة الماضية، أشعر أن بعض أعمال التركيب صنعت للشهرة فقط أو للسخرية مني كمتلقي٬ لست مضطرا لأمدح أي عمل تركيبي أو فيديو آرت كي أثبت أنني فنان مثلا، والقليل جدا منها ممكن أن يثير انتباهي.
- كيف سيشارك الفنانون التشكيليون في إعادة ما خربته الحرب في سوريا؟
علينا أن نبحث دائما عن الجمال وأن نسعى لنشر ثقافة الجمال والتسامح بين أفراد المجتمع٬ الشهداء يرحلون كي نستمر بالحياة٬ رغم الألم الكبير بفقدانهم والجراح التي لا تنسى٬ ولكن الحياة مستمرة٬ ورغم صعوبة هذا القول على من فقد عزيزا في هذه الحرب، ولكن هذه هي الدنيا٬ هي رحلة قصيرة٬ فلنستمتع بها.