صفقة القرن «1»
ها قد حانت اللحظة الحاسمة لمواجهة أخطر التطورات المتوقعة على المسار الفلسطينى، بعد مرور سبعين عامًا على إعلان الدولة الصهيونية، التى شُيدت على أرض الشعب الفلسطينى المغتصبة بالقسر، وبنيت على أنقاض الحق والعدل والقيم الإنسانية، اعتمادًا على منطق القهر والعنف والعنصرية والعدوان، وبدعم من عالم منحاز للمصالح، لا يُقيم اعتبارًا إلا للقوة، ولا يلقى بالًا لأنات الضحايا والضعفاء.
منذ صعود «دونالد ترامب» إلى سُدّة الحكم فى الولايات المتحدة، تصاعدت وتيرة العصف بالحقوق الفلسطينية، والتبجح بإعلان التفانى فى الانحياز المطلق لإسرائيل ومطالبها، وقد عبّر عن هذا الموقف بوضوح بلغ حد الصفاقة وقلب الحقائق المُتعَمّد، «مايك بنس»، نائب الرئيس الأمريكى، فى كلمته أمام الكنيست الإسرائيلى، خلال زيارته إسرائيل أواخر شهر يناير الماضى، والتى أكد فيها متفاخرًا أن الولايات المتحدة «تقف مع إسرائيل لأنها تؤمن بالوقوف مع الصواب ضد الخطأ، وبالوقوف مع الخير ضد الشر، وبالوقوف مع الحرية ضد الطغيان»، مُبشِّرًا بقرب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما تم تنفيذه بعد ذلك بالفعل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى انسحاب أمريكا من تمويل منظمة «الأونروا»، التى تشرف على مساعدة وتأهيل اللاجئين، كنوع من الضغط على الفلسطينيين، لقبول مشروعها لإنهاء القضية الفلسطينية، ووضع حد لإصرار الشعب الفلسطينى على التمسك بالحق التاريخى فى العودة والتعويض، مع التلويح بالتهديد الصريح والمبطن للفلسطينيين، ولـ«أبومازن» و«سلطته الوطنية»، بالعقاب الصارم إن هم حاولوا عرقلة المساعى الأمريكية، ويستخدم فى ذلك ضغوط بعض الأطراف العربية النافذة، كعنصر ضغط وترهيب حتى يقبل الفلسطينيون بتمرير «الصفقة» المشئومة.
وقد أعلن الرئيس «السيسى»، للوفد الأمريكى، الذى ضم كبير مستشارى الرئيس الأمريكى «جاريد كوشنر»، ومساعد الرئيس «جيسون جرينبلات»، وآخرين، فى زيارتهم مصر، بعد مباحثات شملت بعض دول المنطقة: إسرائيل والأردن والسعودية، أن مصر «متمسكةٌ بموقفها الداعم للتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة وفقًا لحدود ١٩٦٧، تكون فيها القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين»، وهو الموقف الثابت للدولة المصرية منذ حرب ٥ يونيو، وهو تقريبًا الموقف الذى عبَّر عنه الملك الأردنى «عبدالله الثانى» فى لقائه الوفد الأمريكى.
لكن مفهوم ترامب لـ«صفقة القرن»، التى وصفها الرئيس الفلسطينى «أبومازن» بأنها «صفعة القرن»، يختلف جذريًا عن هذا الموقف، الذى يحظى بتوافق عربى، ولو ظاهريًا، معلن وواسع. إنها مشروع «ترامبى» متكامل يهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى القبول بـ«تسوية»، أو لنقل وهو الأدق: «تصفية» كاملة، ونهائية، للقضية، تتضمن تنازلهم الكامل عن «حق العودة» التاريخى، الثابت حتى فى قرارات الأمم المتحدة، والقبول بالوضعية الجديدة للقدس، كعاصمة للدولة اليهودية الصهيونية الخالصة، مع «التطبيع» الكامل بينها وبين جميع الدول العربية، وفى مقدمتها دول الخليج، فى إطار تبادل لأراضٍ حتى يمكن ترحيل جانب من الفلسطينيين الموجودين داخل إسرائيل، إلى الشكل الفلسطينى الجديد، لضمان يهودية ونقاء عرق الدولة الصهيونية، مقابل بعض المساعدات المالية تدفعها دول النفط للفلسطينيين، من أجل ضمان الاستقرار، وللصرف على الدولة المسخ الوليدة، وأيضًا بعض الدعم المالى لمساعدة مصر على تخطى أزماتها الاقتصادية.
وهذه التصورات المتسربة عن «صفقة القرن»، تُمَهد للخطوة الأبعد، من منظور إدارة «ترامب»، وهى تكوين «الحلف الأمريكى الصهيونى السًُنِّى»، فى مواجهة ما يوصّف بـ«الخطر الشيعى» الإيرانى، الذى تروج له الإدارة الأمريكية، ودول نفطية كبيرة، التى أشاعت أنه سيضم دولًا عربية منها: مصر والسعودية والبحرين والأردن، والولايات المتحدة، وإسرائيل، فى مراحله الأولى.