الشرق الأوسط الكبير
لا شك أننا نسمع هذا العنوان يتردد كثيرًا على الآذان، لكننا لم نع ماذا يُقصد بهذا المشروع ومن هم خلفه والمحركون له ودوافعهم منه وهل هو من نتاج قادة ومفكرى منطقتنا أم أن أصحابه يفكرون نيابة عن أبناء هذه المنطقة وما دوافعهم من وراء هذا المشروع الخطير؟
والحقيقة تقول إنه مشروع أمريكى من نتاج أفكار العم سام الذى يراه صورة لإعلان حرب شكلها رائع، فالوصف يقول إنها حرب ديمقراطية شاملة تتوافق مع مفهوم ومضمون معاهدة هلسنكى المؤرخة فى عام ١٩٧٥، وهى فى الأصل صراع بين الرأسمالية والشيوعية، أو ملء الفراغ الواقع بين الغرب والعرب، وفى مفردات لغتنا العربية يبدو الفارق بينهما نقطة واحدة، فى الحقيقة الفارق أكبر من المسافات الجغرافية والثقافات الحضارية وليس فقط فوارق لغوية أو جغرافية ولا حتى تاريخية وإلا كان الفارق فى صالح الشرق بكل المقاييس.
لقد بدأ الصراع ليس جغرافيًا، بل هو صراع بين الرأسمالية والشيوعية، ذلك الصراع الذى تخطى الجغرافيا والميول السياسية إلى صراع حضارى.. إن قادة ومحركى المشروع هم قادة الدول التسع الذين بين أيديهم مؤشرات وقدرات وتاريخ باقى دول العالم.
أما ما هى الدول التسع فإنها أمريكا والمملكة المتحدة، أى بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان ثم روسيا. ويجتمع قادة هذه الدول سنويا لمناقشة أولًا الأمور المشتركة بينهم، ثم أوضاع باقى دول العالم. وتاريخ نشأة هذه الحركة يرجع إلى عام ١٩٧٥. وفى مقابل هذه الحركة نشأت حركة موازية أو لنقل حركة أوسع، لأنها لا تقتصر على هذه الدول التسع، بل تضيف إحدى عشرة دولة أخرى لتصبح حركة العشرين بانضمام كل من الأرجنتين وأستراليا والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا والاتحاد الأوروبى، أما عن دول العرب فقد كانت المملكة العربية السعودية هى العضو الناطق بالعربية.. كان أول لقاء لهذه الدول فى نهاية عام ١٩٩٩ ومن نتائجه أو جل قصده فكرة الشرق الأوسط الكبير ومشروع التنمية البشرية العربية، وأهم بنودها الحرية والمعرفة وتمكين النساء باعتبار هذه المبادئ هى التى تهدد مصالح دول العالم لا سيما دول العشرين المشار إليها وبالأخص الدول التسع الكبرى، فطالما تزايد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية سيزداد التطرّف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة حتى وصفوا أوضاع الشرق الأوسط الكبير بكلمة «مروّعة».
وتضيف دراسة أوضاع الشرق الأوسط البيانات التالية: إن إجمالى الدخل المحلى لبلدان الجامعة العربية وعددها اثنتان وعشرون دولة هو أقل من نظيره فى إسبانيا وحدها، وأضافت الدراسة أن حوالى أربعين فى المائة من العرب البالغ عددهم خمسة وستين مليونًا أميون ويقدر نسبة النساء بثلثى هذا العدد.
أما عن شباب العرب فكانت الدراسة على النحو التالى: فى عام ٢٠١٠ سيصل عدد شباب الدول العربية راغبى العمل أكثر من خمسين مليون شاب وشابة، وفى عام ٢٠٢٠ سيصل العدد إلى مائة مليون، وتقتضى الحاجة إلى خلق ما لا يقل عن ستة ملايين فرصة عمل أمام تزايد الشباب طالبى العمل.
وأضافت الدراسة أنه مع عام ٢٠١٠ سيبلغ عدد المتعطلين من الشباب خمسة وعشرين مليون شاب وشابة.. كما أضافت الدراسة أن متوسط دخل الفرد يصل إلى أقل من دولارين فى اليوم وأنه لا بد من تحسين مستوى المعيشة بزيادة النمو الاقتصادى فى المنطقة، كما تعرضت الدراسة إلى مكانة المرأة فى التعليم وفى المشاركة فى الشأن العام، حيث دلت الدراسة على أن نسبة النساء فى المقاعد البرلمانية أقل من خمسة فى المائة.
كما أشارت الدراسة إلى أن واحدًا وخمسين فى المائة من الشباب العربى يرغبون فى الهجرة إلى بلدان أخرى وفقا لتقرير التنمية البشرية العربية لعام ٢٠٠٤ والهدف لهم هو الدول الأوروبية.. أما الطريق إلى الإصلاح فى مفهوم المنظمات العالمية وللخروج من الضيقة العظيمة هو السير الممنهج والذى بُدِءَ بالمساعدة فى أفغانستان والعراق، والخروج من أنظمة قمعية إلى أنظمة ديمقراطية باتباع أنظمة حكم ديمقراطية، وتشجيع الحكم الصالح، ثم التوسع الاقتصادى لدول المنطقة، مع الوضع فى الاعتبار النهوض بالمستوى التعليمى والثقافى وذلك استنادا إلى المبدأ القائل «ضعف الديمقراطية والحكم الصالح يؤدى إلى تخلف فى التنمية السياسية والاقتصادية».
وخلاصة ما نراه من هذا التقرير الطويل هو أنه لا مناص من النهوض بالتعليم المتميز ثم الثقافة والإعلام الحر، والتعاون المشترك بين الحاكم ومعاونيه ومصارحة الشعب بواقع الخطط المدروسة والحكيمة التى تدفع الشعب إلى حمل المسئولية، ثم إنارة النفق الحياتى ليدرك المواطن أن للنفق فتحتين وأن المسافة محسوبة ومعلنة للخروج من النفق إلى النور فى الطريق الصحيح، وهذا هو الحكم الرشيد الذى يوحد الشعب ثم الأمة كلها على رجاء يقينى بالخروج إلى انفراجة حقيقية ونهضة تعليمية وعلمية وثقافية واقتصادية مع تعديل المسار الذى يتجنب النفق المظلم إلى نور العلم والفكر وشتى مناحى الحياة بصدق الواقع وجدية التغيير وسلامة الأداء، وليتحقق قول الشاعر: بالعلم والمال يبنى الناس ملكهمو.. لم يبنَ ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ.