كلما تكبرت انحرفت
«اخْرُجْ مِنْ أوْصافِ بَشَرِيَّتِكَ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ مُناقِضٍ لِعُبوديَّتِكَ لِتَكونَ لِنِداءِ الحَقِّ مُجيبًا، ومِنْ حَضْرَتِهِ قَريبًا».. قبل شرح المقصود من الحكمة ينبغى توضيح مفهوم «أوصاف البشرية» الوارد فيها، لما يشتمله من معانٍ عديدة وعميقة.
أوصاف البشرية تكون إما «ظاهرة» وهى أعمال الجوارح، أو «باطنة» وهى أعمال القلب، وكل منهما «طاعة» أو «معصية». والنظر فيما يتعلق بالأعمال الظاهرة يسمى «تفقهًا»، أما «الباطنة» فيسمى تصوفًا، وبالطبع متى صلح الباطن صلح الظاهر.
والقلب كالملك، والجوارح كالجنود التى لا تتخلف عن طاعته، وصلاحه يكون بالتخلى عن كل وصف مناقض للعبودية كالكبر والعجب والرياء وغير ذلك، مع التحلى بالأوصاف المحمودة التى تقربه إلى السيد المالك كالتواضع والحلم والرضا والإخلاص فى العبودية إلى غير ذلك من أوصاف الإيمان التى يكتسب بها أبهى ميزة.
وبذلك، تكون الحكمة راصدة لطباع النفس البشرية، وتحديدًا الصفات المذمومة التى تنفى معها صفة العبودية لله وحده، وعلى رأس هذه الصفات يأتى «الكبر»، الذى يختلف بصورة كبيرة عن «النرجسية».. كيف؟
تشتهر «النرجسية» عند العامة باعتبارها حالة من حب الذات والأنانية، أما مراجع الطب النفسى فتعرفها على أنها أحد أنواع اضطرابات الشخصية، وتبدأ عادة فى مرحلة مبكرة، وتظهر فى مجموعة متنوعة من السياقات والتصرفات.
وللتأكد من إصابة شخص ما بـ«النرجسية»، فلا بد من ظهور ٥ أعراض على الأقل من ٩، هى: «الشعور المتكلف بأهمية الذات، والأوهام بنجاحات غير محدودة، والإحساس المبالغ فيه بالتألق والجمال، والاعتقاد بأن الشخص حالة خاصة وفريدة من نوعها، ولا يمكن فهمها إلا من قبل العباقرة، وأنه يجب أن يقترن اسمه بنجوم المجتمع أو المؤسسات البارزة، والحاجة الدائمة إلى الإعجاب المفرط من الآخرين، والشعور الدائم بالاستحقاق».
أما الكبر، فقد جاء تعريفه فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال: «الكِبْر بطر الحق، وغمط الناس»، وقال «الزَّبيدى»: «الكِبْر: حالةٌ يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، ويرى نفسَه أَكْبَر من غيره»، لذا فإن الكبر هو أساس الابتعاد عن عبودية الله والقرب منه.