هل للحياة معنى؟
سؤال لا غنى عنه: «ما قيمة حياتى؟». ظهرت قديمًا فلسفة تقول «لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت».. ويقول المفكرون نعم للحياة قيمة بمضاعفة الفوائد وتقليل الخسائر، فالقيمة هنا قيمة اقتصادية نفعية بمضاعفة الفوائد والإقلال من الخسائر، وهى نظرة نفعية مادية قد يكتشف المتطلع إليها أنه يحيره السؤال: «وماذا بعد؟ فقد حققت التعليم العالى فى أفضل مواقعه والعمل المناسب فى أعلى دخله والأسرة المثالية فى أرقى درجاتها، لقد ربحت الكثير وتجنبت الخسائر والمشقات، ليستريح جسدى وتطيب معيشتى محافظًا على صحتى وقوتى ونضارتها حتى أستطيع أن أقول إن لحياتى المعنى والهدف والقيمة. لكن ما لم أحقِّقْه هو ما لا يدخل فى سلطاتى، فماذا أفعل فى مناخ فاسد لا سلطان لى عليه؟».
هنا تأتى التجربة الأمريكية حول قيمة الحياة، فأنشئت هيئة تسمى «الهيئة العليا لمراقبة نقاء الهواء» فى كل الولايات المتحدة البالغ عددها خمسون ولاية. والهيئة مكونة من علماء ورجال قانون على أعلى المستويات يصدر بقرار إنشائها وتعيين رئيسها قرار من رئيس الولايات المتحدة، ويبلغ عدد العاملين فيها أربعة عشر ألفًا ومائة واثنين وسبعين شخصًا فى عمل دائم، وكل عملهم هو حماية البيئة وحماية المناخ بالدرجة الأولى، وتكلف مرتبات العاملين بنظام الوقت الكامل أكثر من ثمانية بلايين دولار سنويًا، ولما قرر الرئيس ترامب تخفيض الميزانية بنسبة واحد وثلاثين بالمائة، لم يكن من الممكن تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع.
أما جرائم تغيير المناخ أو الأسباب المؤثرة سلبًا على المناخ فى عدة بلاد أخرى، فهى تتلخص فى أُسلوب جمع القمامة والتخلص منها بالحرق، وعادات نشر الغسيل دون إدراك لتأثير هذا على المناخ والبيئة، كذلك أجهزة التكييف وما ينتج عنها من هواء ساخن وتأثيره على المناخ العام، والعدد الكبير والمتزايد من الثلاجات «المبردات» فى المنازل والمحلات وما تتركه هذه الأجهزة من تأثير على البيئة، الأعداد الهائلة والمتزايدة من السيارات الذى ساعد على كثرتها بيع السيارات بالقسط مع المبالغة فى مصروفات انتقال الأطفال والتلاميذ بوسائل انتقال المدارس والجامعات الخاصة، ما أدى إلى المزيد من ازدحام الشوارع، وتأثير أدخنة عوادم السيارات على البيئة والصحة العامة، لا سيما أن المرور لا يدقق بالقدر الكافى على سلامة السيارات كما يحدث بالغرب، حيث لا تجدد رخصة سيارة إلا بعد فحصها عن طريق أجهزة دقيقة مرتبطة بجهات المرور، حتى إن السيارة التى لا تجتاز الاختبار لنسبة العادم الذى يخرج منها لا تجدد رخصتها. ومن الكوارث المناخية أيضًا تحويل الفيلات إلى عمارات مخالفة للقوانين التى لا تُراعى حتى نرى بين عشية وضحاها الفيلل وما حولها من أشجار وحديقة فيحاء إذ بها تهدم وتقطع الأشجار، وتقام فى محلّها عمارة ترتفع عشرات الأدوار، وبالطبع بعد أن كان صاحب الفيلا أو مستأجرها يقيم مع أسرته ولهم سيارة واحدة أو اثنتان على الأكثر، نصبح لنجد عمارة تناطح وتحجب السماء ويسكنها عشرات من العائلات ولهم العشرات من السيارات، أما الأشجار والخضرة فتكون قد اختفت تحت سطح الخرسانات، ولا مانع فى أن تخصص الأدوار الأرضية لإقامة محلات وشركات تزيد الأمر تعقيدًا من سيارات أكثر وضوضاء أعلى والحسرة دون عزاء على البيئة، وانتهت الفيلا المؤجرة بعشرة جنيهات أو أقل إلى عشرات الوحدات التى تدر الآلاف، بل الملايين فى حالة بيع الوحدات لا تأجيرها.
أما الخاسر الأول وليس الوحيد، فهو المواطن الساكن أو من ساء حظه ليعمل فى هذه المواقع، والمعاناة فى ازدحام المرور وسوء أحوال الجو وضياع الوقت فى الانتقال والوصول المتأخر إلى مواقع العمل والتعب الذى يؤثر على الإنتاج أيضًا.
وقد يلفت نظرنا ما تقوم به الدولة من مشروعات سكنية فى المدن الجديدة حول القاهرة والإسكندرية والمدن الأخرى، ولكن مع كل الأسف فهذه المشروعات لم تصلح الأحوال. فمن انتقل ليقيم بالمناطق الجديدة لم يترك وحدته السكنية، بل أغلقها انتظارًا لأولاده ليتوارثونها، فهى منخفضة الإيجار أو شبه معدومة، ويذكرنى هذا بواقعة كنّا شهودها عندما ذكر أحدهم فى مناسبة جمعت قيادات، أن إحدى الفيلات بالحديقة الخاصة بها، بالإضافة إلى جراج للسيارات لا يتعدى إيجارها عشرة جنيهات، أى ما يعادل نحو نصف دولار أمريكى شهريًا، فكان رد أحد القادة الكبار أن هذا المستأجر يستحق ضربه بالنار.. طبعًا جاءت العبارة عفوية أمام الحدث لا سيما أن المضار هو جهة حكومية آلت إليها ملكية هذا القصر ذى العشرة جنيهات.
والسؤال: ما الحل فى أوضاع قائمة لا حيلة لأحد فيها؟ والإجابة عن هذه الأوضاع تبدو سهلة ميسورة لو طبقنا قواعد العدل والإنصاف ومبادئ حماية البيئة وحرق المخلفات وقش الأرز الموسمى الذى ترك الملايين يعانون أمراض الصدر وتخلف الأطفال، وبذات الوضع لماذا لا تراعى النسب الحسابية الواضحة لكل ذى عقل؟ فالعشرة جنيهات كانت تعادل أكثر من عشرة جنيهات ذهبية، فلماذا لا تعادل اليوم بذات النسب. ثم إلى متى تظل الوحدة السكنية ذات الثلاثة جنيهات فى أفضل الأحياء فى القاهرة والإسكندرية وسائر مدن مصر بذات المبلغ الذى لا يقدم لمتسول فى الشارع؟!.
إنها صرخات شعب يتمنى بيئة صحية وحياة كريمة وقواعد عادلة وتعليمًا جيدًا ومناخًا صحيًا، فهل هذه أحلام صعبة المنال أم خطوات لازمة لشعب يستحق وتاريخ نباهى به الدنيا وأصبح حلمًا نحلم به فى الآخرة؟.