عن الأحزاب والاندماجات والانتخابات
الطبيعى فى أى نظام سياسى، أن يقوم على التعددية الحزبية، والأصلح بكل تأكيد، لبناء حياة سياسية حقيقية، أن يكون لدينا تجربة حزبية قوية وحية، فالأغلبية تحكم، لكن استقرار وقوة النظام السياسى يأتيان بدمج الأقلية فى العملية السياسية، وأى انتخابات يجب أن تتنافس فيها الأحزاب بشكل ديمقراطى، لتحقيق أغلبية وأقلية، ومن أجل ذلك تقدم أفضل البدائل لصالح المواطن، وهذا ما نفهمه كداع لتأسيس الأحزاب، فهى تنظيمات سياسية، هدفها الوصول إلى السلطة، عبر تنافس ديمقراطى، تقدم أفضل البرامج، وتسعى للحصول على ثقة الناخب فى صندوق الانتخابات.
لكن المطلوب جديا البحث فى أسباب ضعف التجربة الحزبية وعلاج هذا الأمر، التجربة الحزبية الحالية فى معظمها كانت امتدادا لتجربة خُلّقت من أعلى، وهى أحزاب نشأت بقرار رسمى تقريبًا، من أول تجربة المنابر فى السبعينيات، التى بدأت بداية معقولة، لكنها سرعان ما تماهت مع السلطة، وتحولت إلى مقار خاوية، قيادات تاريخية تستمر طوال حياتها، تدعى السعى وراء تداول السلطة، واستمرت سنوات طوالا دون أى تداول داخلى أو تجديد دماء، فأصابها ما أصاب السلطة قبل ٢٥ يناير، تصلب شرايين سياسى، الوجوه نفسها استمرت على قمتها، فأخذت شكل جنرالات بلا جنود، وزعماء بلا أنصار، إلا من رحم ربى.
والنوع الثانى هو أحزاب ٢٥ يناير، سواء التى مهدت لقيامها، أو التى ولدت بعدها ونتيجة لها، وكان يجب على هذه الأحزاب تحديدا أن تطور خطابًا مختلفًا يجذب لها الجمهور، لكن لأن أغلبها نشأ نتيجة «معارضة» نظام ما قبل ٢٥ يناير، فلم تستطع أن تتدارك حتمية تحولها لأحزاب سياسية وليس لحركات احتجاجية، فأخذت من الأحزاب الشكل القانونى، لكنها مارست السياسة بعقلية الحركة الاحتجاجية، فلما انحسر العمل الاحتجاجى، سواء نتيجة لفقدان الظهير الشعبى للعمل الاحتجاجى، أو للتضييق الرسمى نتيجة لقانون التظاهر، تحول أغلب هذه الأحزاب إلى إصدار البيانات الاحتجاجية تعبيرًا عن رفضها قرارا رسميا ما، أو قانونا يقر. بالتأكيد ذلك حقها السياسى، لكن أغلبها وللأسف لم يدرك أن ابتعادها عن أى معركة انتخابية، أفقدها أهم نقطة للتأثير فى الجمهور التقليدى، خارج إطار النشطاء المهتمين بالعمل العام.
من هنا ننظر للتصورات المطروحة عن دمج الأحزاب بأسئلة كثيرة، هل هى تجربة لـ«تخليق» أحزاب جديدة من أعلى كما كانت تجربة المنابر؟!، أم هل نحن أمام توجه جاد لفتح مساحة كبيرة لحيوية العمل السياسى؟، وهو الاحتمال الذى نأمل أن يكون صحيحا.
صحيح أن قوانين الانتخابات ليست الأفضل، صحيح أن معايير تكافؤ الفرص ليست واضحة، صحيح أن هناك خللا فى مرحلة التحول الديمقراطى، فالأصل فى أى انتخابات هو حرية طرح الرأى والرأى الآخر، دون تخوين أو تكفير، لكن الحقيقة أنه فى ٢٠١١ و٢٠١٢ تم تكفير كل من يخالف تيار الإسلام السياسى، وبعد ٣٠ يونيو تم تخوين كل من يخالف الرأى الرسمى، لكن مقاومة ذلك يجب أن تتم بحرث مسار ديمقراطى، بزخم شعبى، وجر أكبر عدد من الجمهور على أرضية الإصلاح، وذلك لن يحدث إلا بنشر خطاب معتدل للتطوير والإصلاح والديمقراطية فى كل انتخابات، سواء كانت برلمانية أو محلية أو نقابية، أو حتى اتحادات الطلبة!، أما الحزب السياسى الذى يقاطع سلسلة متوالية من كل أنواع الانتخابات، فلا يفعل سوى أنه يكتب شهادة وفاته الجماهيرية بيده!.