مذبحة على أبواب مدينة السلام
مع حفل افتتاح مبنى جديد للسفارة الأمريكية فى مدينة القدس، يسقط ثمانية وخمسون من الفلسطينيين برصاص الشرطة الإسرائيلية مع الإعلان الأمريكى بوقف المساعدات الأمريكية التى كانت تصرف سنويًا للحكومة الفلسطينية، وهذا التزام قديم منذ اتفاق قديم مرت عليه عشرات السنين بعد اتفاق كامب دايفيد، وها هو أيضًا الإعلان الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
صحيح أن هذا جزء من اتفاق كامب دايفيد وقرار الكونجرس الأمريكى منذ نحو عشرين عامًا، لكن لم يجرؤ أى رئيس لأمريكا على اتخاذ قرار تنفيذى من جانب واحد بهذا الخصوص، وكان دائمًا التأجيل، إلى أن جاء الرئيس ترامب الذى وعد بالتنفيذ الفعلى، وها هو ينفذ خطته دون توافق أو اتفاق حقيقى. إلا من وعد لناخبيه من يهود أمريكا.
إن غالبية دول العالم ينظرون لمدينة القدس على أنها مدينة الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام معًا على السواء، ويجب أن يقرر وضع المدينة كجزء أساسى من اتفاقية سلام دائم بين أصحاب الديانات الثلاث، كما أن نقل أية سفارة إلى المدينة قبل اتفاق دائم للسلام، سيعوق مسيرة السلام التى طال أمد انتظارها.. وعلى الجانب الآخر نرى دولًا مؤيدة للاتجاه الأمريكى مثل جواتيمالا التى تعلن فتح سفارتها فى القدس بعد يومين فقط من الإعلان الأمريكى، والمعروف أن جواتيمالا تتلقى مساعدة من إسرائيل منذ عام ١٩٨٠، وتلتها باراجواى.
أما الصوت الإنجليزى فيرى أنه من المبكر نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس بهذه العجلة، بل وأعلنت عدم الرضا على الأسلوب الأمريكى.. أما حكومة روسيا فأعلنت مخاوفها من النقل إلى القدس بهذه السرعة، حتى لا يزيد الموقف اشتعالًا ليس فقط بين فلسطين وإسرائيل، بل قد يتسع إلى أجزاء كثيرة من المنطقة، فالرئيس التركى يدين الكارثة الإنسانية من عنف وقتل وإصابات لا تعد على مدار يومين كاملين من إراقة الدماء، حتى أطلق على يوم افتتاح مقر السفارة الأمريكية يوم النكبة!.
ومع متابعة مواقف دول العالم لهذا العمل، فنرى الاتحاد الأوروبى يقاطع الاحتفال بافتتاح السفارة الأمريكية ونقلها من تل أبيب إلى القدس، ولم يخرج عن هذا الاتجاه من الدول الأوروبية إلا النمسا وجمهورية التشيك ورومانيا، كما دعت كل من فرنسا وبريطانيا إسرائيل لضبط النفس.. أما الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» فقد أعلن عن قلقه بشدة تجاه الأحداث فى غزة، وطالب بالتريُّث وضبط النفس.. أما تركيا ممثلة فى حكومتها، فقد أعلنت إدانتها للحكومة الإسرائيلية لاستخدامها العنف ضد الثائرين من الفلسطينيين.
وفى تصريح لوكيل وزارة الخارجية الفلسطينى محمود العجرمى يقول «إن نقل السفارة الأمريكية للقدس من الناحية العملية، يعنى الاعتراف بكل القدس الشرقية والغربية عاصمة لدولة إسرائيل، واعتراف صريح بالحقوق الدينية والسياسية التى تدعيها وتطالب بها لتطبيقها على المدينة المقدسة»، ويضيف العجرمى «إن عدد السفارات الأجنبية فى دولة الاحتلال بلغ ١٠٢ سفارة يتركز أغلبها فى مدينة تل أبيب وبعضها موجود فى مدينة حيفا، منوِّهًا بأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيدفع بالعديد من الدول للحذو حذوهم.
ومن الخيارات الفلسطينية لمواجهة القرار الأمريكى يقول العجرمى «بإمكان السلطة الفلسطينية التوجه للأمم المتحدة، ورفع دعوى قضائية لمقاضاة إسرائيل فى مجلس الأمن بشأن السيادة على مدينة القدس والتى تخضع لوصاية دولية منذ عام ١٩٦٧».
والخلاصة أنه لا يزال القلق قائمًا، والقرار الأمريكى كان قائمًا منذ أكثر من ولاية رئيسين سابقين، ولم يتخذ أيهما مثل هذا القرار، بل كان مؤجلًا، وها قد أنهى الرئيس ترامب التأجيل. ولعلنا نجد من يضع يده على الجانبين حتى تصير الأمور إلى سلام وكفانا حروبًا وأزمات، فَتُرَى من يستطيع أن يضع يده على كليهما من أجل السلام وحقن الدماء؟، ففى إسرائيل أكثر من مائة سفارة وقنصلية مع صغر حجم الدولة ولكنها تشكل موقعًا تاريخيًا ودينيًا للديانات الثلاث، فهل من مصالح باسم الأديان والسلام ووقف الحروب وإراقة الدماء؟