صدام حسين.. حضور لا يقهره الموت
رغم مُضىّ أكثر من اثنى عشر عامًا على إعدامه، إلا أن صدام مازال حيًا فى الذاكرة العراقية.. الحديث عنه وعن طغيانه وجبروته دائمًا طازج وممتد، لم يخل يوم من إقامتى بالعراق دون أن أسمع قصة ما عن صدام، يبدو صدام مثل الشيطان الذى نتذكره طوال الوقت حتى باستعاذتنا بالله منه.
ورغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية عقب سقوط نظام حسين مما جعل البعض يتذكر أيامه بشىء من الحنين، إلا أن أغلبية السامعين يُسفهون هذا الشعور ويحملون صدام - الذى حكم العراق أربعة وعشرين عامًا- وزر ما حدث فى عهده من حروب وطغيان ومذابح لأبرياء، وما حدث بعد سقوطه من احتراب ونكبات حلت بالعراقيين جراء الغزو الأمريكى وما تلاه من تبعات مؤلمة.
نهاية صدام حسين نفسها بإعدامه صباح يوم عيد الأضحى آخر ديسمبر ٢٠٠٦ جعلت العيد عيدين بالنسبة لمن قتل وظلم ذويهم، وجعلته مصدر تعاطف وإحساس بهوان المسلمين وعدم تقدير مشاعرهم المقدسة لدى الأمريكيين.
بمجرد الخروج من المطار فى الطريق لقلب بغداد، أشار مرافقنا إلى بناء مهجور وعرفه بأنه المكان الذى اعتقل به الأمريكيون صدام حسين بعد القبض عليه فى مزرعة قرب مدينة الدور قرب محافظة تكريت عام ٢٠٠٣، وقد ظهر صدام وقتها بلحية طويلة وشعر غير مرتب، بشكل يختلف عن مظهره المعتاد، وتم تأكيد شخصه فيما بعد باستخدام فحص الحمض النووى (DNA).
وأضاف مرافقنا أن المساحات الشاسعة التى تحيط بالمبنى كانت فى الأصل مزرعة للغزلان والخيول ملكًا لصدام حسين، وعندما بدأ الغزو فوجئ سكان المنطقة الكبيرة بخروج عشرات الخيول والغزلان التى كانت تتخبط دون أن تعرف لها طريقًا بعد أن انهارت أسوار المزرعة.
سيرة صدام حسين لا تخلو من الغمز واللمز، خاصة فيما يخص زواجه الثانى من السيدة سميرة شهبندر التى كانت تعمل مدرسة فى إحدى مدارس بناته، ورغم أنها كانت متزوجة إلا أن صدام تودد إليها وأمر زوجها بتطليقها وتزوج بها فى تكرار فاضح لتأثر العراقيين بالسينما المصرية، التى يحفظون إفيهاتها وعلى رأسها إفيه «حسن البارودى» فى فيلم الزوجة الثانية «وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم»، «طلق يا ابنى إنت هتكفر».. ويزيد عليها العراقيون «فلما قضى منها زيد وطرًا...».
■ فى محافظة بابل التى ذاقت الأمرّين من نظام صدام وخاصة بعد الانتفاضة الشعبية عام ١٩٩١ وقيام قوات صدام حسين بقتل الآلاف من أبناء الحلة والنجف الأشرف واكتشاف العديد من المقابر الجماعية لأبناء المحافظة- يوجد قصر صدام حسين المطل على آثار بابل، اختار صدام حسين لبناء قصره تلة مرتفعة، تطل واجهته على نهر الفرات، ونظم حوله منطقة حدائق شاسعة، فى حين يطل المدخل الثانى للقصر على قصر أو معبد نبوخذ نصر البابلى.. يعتمد القصر فى هندسته وتشييده على العمارة البابلية فتبدو صلابة البناء وقوته ويوحى بالضخامة والقدرة والجبروت.. وعلى مدار الجهات الأربع للقصر، توجد زخرفات تحمل حرفى الصاد والحاء رمزًا لاسم صدام حسين، الصعود إلى قمة التلة حيث يقبع القصر يحتاج إلى جهد تتقطع له الأنفاس، لكن صدام كان يصعد بسيارته فى طريق دائرى أسفل التل حول القصر، وقد تعرض القصر لأعمال نهب وتخريب وهو الآن فى حالة إهمال.. أى أنه أصبح أطلالًا تطل على أطلال.
ويقولون إن صدام حسين لم يزر هذا القصر سوى مرتين.. ولأنه كان يتبع طريقة تمويهية خوفًا من اغتياله، فقد كانت كل قصوره تستعد كل يوم لاستقباله بتجهيز ما يلزم من الطعام والمشروبات. وإذا لم يحضر يتم إلقاء هذا الطعام فى القمامة دون أن يجرؤ أحد على تذوقه.
■ عودة للقاهرة
أريد أن أغمض عينىَّ وأنام.. لكن ألمك يوجعنى، يكبل أجفانى.. أنت غافلتنا وسبقتنا إلى وهن وضعف.. أنت دليل حى أن الزمن نسبى.. الزمن دار بخلاياك.. ألف ألف دورة ودار بنا دورة أو اثنتين، فأجهدك وتركك صبية فى ملامح السبعين، أينا خدعه الزمن أكثر، أنت أم نحن، بعد أن صرنا عبيدًا له يلوح لنا بعقاربه طوال الوقت؟.