شخصية ناضجة وتفكير أرقى
من أقوال ألبرت أينشتاين «لا يمكن حل المشكلات الكبيرة التى تواجهنا، ونحن على ذات المستوى من التفكير الذى كنا عليه عندما صنعنا هذه المشكلات». إذا نظرنا حولنا وتذكرنا المشكلات التى كنا صانعيها على مدار مراحل حياتنا، فإننا ندرك أنه من الصعب حلها.
ونحن على ذات المستوى من التفكير السطحى الذى حدثت فى ظله الواقعة (المشكلة)، وأن ما اعتبرناه أزمات أو مشكلات نحن المتسببون فيها، وفى الوقت ذاته عاجزون عن حلها، وأنه لمواجهة الأزمات لا بد من أسلوب جديد من التفكير فى إطار التفاعل الفكرى، بتفاعل مجتمعى للبشر المحيطين فى مناخ مجتمعى بكل تفاعلاته وهمومه وأوجاعه وشكواه، وهو مناخ جديد لأسلوب التفكير المجتمعى، وليس الانعزالى وأحادى الفكر، وذلك ما يسمى التفاعل المجتمعى حول القيم والمبادئ المجتمعية، وصولًا إلى تحقيق تفاعل مجتمعى يعرف بالشخصية المتفاعلة مع الفكر الجماعى أو الشخصية المجتمعية. ولتحقيق هذا الهدف الجماعى الصحى لا بد لكل فرد أن يبدأ بنفسه.
والمثال الأقرب إلى الذهن والأكثر شيوعًا هو لشاب يحاول أن يبدأ حياة أسرية هادئة وهانئة دون مشكلات، أو ما ندعوه لأولادنا بأمنياتنا لهم بزواج سعيد، فعلى الشاب الراغب فى الزواج أن يولد طاقة إيجابية، ويبتعد تمامًا عن الطاقة السلبية التى يرددها الشباب مع بعضهم، وإن كانوا لا يقصدون ما يرددون، مثل «مبروك عليك السجن الجديد»، ومبروك عليك «القفص الحديد»، والأمثلة كثيرة والنتيجة هى تكوين طاقة سلبية عن الزواج وهمومه ومشكلاته وأزماته، فى حين أن القصد لدى راغب الزواج، بداية حياة أكثر سعادة وبهجة وفرحًا، وليس بالأساليب السلبية حتى ولو كانت بأسلوب الفكاهة، لكنها تترك طاقة سلبية، تنتهى بأزمات أسرية تنتقل من الزوجين إلى الأطفال الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا فى ظروف سلبية، بدلًا من أن يتمتع الآباء بالأبناء، وبالتالى يسعد الأبناء بوالدين محبين لبعضهما، وهذه هى الأسرة السعيدة التى تتمتع بطاقة إيجابية لا سلبية. وعلى هذا القياس فمن يُرد التمتع بالحرية والراحة فى العمل، عليه تحمل المسئولية والاستعداد لمساعدة من حوله بروح إيجابية، وهذا ما يعرف بالعامل المتعاون المتحمل المسئولية، وهذا كله لا يتحقق إلا بشخصية سوية، ففاقد الشىء لا يعطيه.
وعملية التجديد الذاتى، مستمرة أساسها الثقة بالنفس والتحكم الذاتى والتدريب على النمو والتطور الذى بدوره يؤدى إلى التطور والرقى، وصولًا إلى التبادل الفعّال، وهنا تحضرنى عبارة لأحد أساتذتنا بقوله: «يا لسعادة من كان عمله هوايته»، فشتان بين شخص لا يحب عمله ويراه ثقلًا لا يُطاق حتى إنه يتمنى المرض كى يجد وسيلة للتغيب عن العمل، وعلى الجانب الآخر تجد هؤلاء الذين يحبون العمل لدرجة قضاء ساعات أطول فيه ليس لأجر أكبر، بل بلا مقابل. وعلى ذات النمط هناك زيجات تعيسة وأخرى سعيدة، فالتعساء يلقون اللوم على الطرف الآخر، الزوج أو الزوجة، ويظل كل منهما يلقى اللوم على الآخر، وينتظر منه أن يتغير، وفى حقيقة الأمر أن كليهما يحتاج للتغييّر، وأنه كى يتغير يتوجب أن يكف عن ملامة غيره ويبحث فى أسلوب تغيره هو نفسه للأفضل، وفى هذا اكتشاف لنقاط ضعف كل طرف، ومعًا يتغيران للأفضل. فالتغيير يبدأ من الداخل وصولًا إلى الخارج وليس العكس.
والتغيير ليس عيبًا، بل هو شجاعة، وفى بلاد الغرب يلجأ الزوجان أو الخطيبان إلى ما يعرف بالطب النفسى، ويقضيان وقتًا، سواء كانا منفردين أو معًا كما يطلب منهما الطبيب، وهناك حالات يكتشف فيها الخطيبان أنهما لا يصلحان للزواج من بعضهما، أما المتزوجون فيتم تقديم وسائل التآلف والتعاون وإعادة بناء الرابطة الزوجية لهم، وبعض الحالات قد يراها المعالج تحتاج إلى وقت أطول، وقد يشير الطبيب بالانفصال واضعين الأطفال فى أولوية الاهتمام.