الجيش السرى لأردوغان «1»
اثنتان من المنصات الأمريكية؛ الأكثر شهرة وتأثيرًا فى الأوساط السياسية الأمريكية ودوائر صنّاع القرار بواشنطن، الأولى معهد أبحاث «أمريكان إنتربرايز»، والثانية مجلة الـ«فورين بوليسى». طرحت كلتاهما مؤخرًا ـ بقدر من القلق ـ تساؤلات تحمل بعضًا من مساحات الكشف، لمعلومات شديدة الأهمية، بذات دقة ممارسة بعض الضغوط الخشنة على أنقرة، فى ظل حالة احتقان تضرب المشوار الطويل الذى قطعته العاصمتان معًا، ويقف اليوم على محك بالغ الحرج.
التساؤلات الكاشفة؛ تدور حول شركة «سادات» التركية ودورها فى تدريب وتجهيز التنظيمات المسلحة والميليشيات، حيث تأسست الشركة عام ٢٠١٢ برئاسة العميد متقاعد عدنان تانريفردى، وأعلنت الشركة عن نفسها فى إسطنبول باعتبارها الشركة الأولى والوحيدة فى تركيا، التى توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية فى مجال الدفاع الدولى. الصحيفة الرسمية لتداول الأعمال الخاصة بشركة «سادات»، مدون فيها أنها تقسم (نشاط الاستشارات) إلى قسمين، الأول: فى المجال العسكرى، حيث تقوم شركة «سادات» المساهمة بتقييم التهديدات ضد الدول التى تقدم لها خدماتها. ووفقًا لهذه التقييمات تحدد إمكانية الدفاع بشكل منفرد، أو بشكل مشترك مع الدول الصديقة، بالنسبة للدولة التى تقدم لها الخدمات، وتقوم بتنظيم القوات المسلحة بما يتناسب مع التهديدات، كما تقوم الشركة بتحديد مدى جاهزية القوات المسلحة للحرب، للدول التى تقدم لها الخدمات، وذلك عن طريق تدقيقها، وتنتج الحلول لتدارك النواقص التى تم تحديدها. كما تقوم الشركة بتقديم الاستشارات فى الحرب الإلكترونية، بالدفاع وبرمجيات الهجوم. الثانى: فى مجال الأمن الداخلى، شركة «سادات» مستعدة، مع نخبة ممتازة من مستشاريها، المديرين المتقاعدين من التشكيلات الأمنية بالجمهورية التركية إلى تنظيم القوات الأمنية من جديد، للدول التى تريد ذلك، مراعية عادات وتقاليد شعبها وثقافتها، وبأحدث المفاهيم.
مازلنا نقلب فى الأوراق الرسمية لشركة «سادات»، والاقتباسات الواردة هى نصية باللغة التى دونتها الشركة بمعرفتها، فى وثائق تأسيسها وإشهارها فى النشرة الرسمية بإسطنبول التى حملت الرقم (٨٠١٥ ٢٨ فبراير ٢٠١٢). هناك القسم الثانى من النشاط تحت بند (التدريبات)؛ وتقسم أيضًا بذات الطريقة السابقة، الأول: التدريبات على الصعيد العسكرى. وله ثلاثة أقسام؛ التدريبات النظامية: تقدم شركة «سادات» المساهمة، التدريب العسكرى النظامى للقوات البرية والبحرية والجوية للدول الطالبة للخدمة، ابتداء من فرد واحد وسلاح واحد، حتى أعلى وحدة فى الجيش، أى يتم تدريب كل العناصر حتى آخر مستخدم. التدريبات غير النظامية: تنظم شركة «سادات» تشكيلات القوات المسلحة للدول، التى تقدم لها الخدمة للحرب غير النظامية، وذلك لظهور حاجة لتنظيمها جميعًا بقصد الدفاع، وتقوم بتدريب عناصر هذه التشكيلات على أنشطة «الكمائن، والإغارة، وإغلاق الطرق، والتدمير والتخريب، وعمليات الإنقاذ والاختطاف، وعلى العمليات المضادة لكل ذلك. تدريب العمليات الخاصة: تقدم شركة «سادات» خدمات التدريب لموظفى الدول، التى تقدم لها الخدمات، الذين سيؤدون مهامهم فى العمليات البرية والبحرية والجوية، والذين سيشاركون فى العمليات النظامية وغير النظامية والخاصة، وأى عملية أخرى بقصد إكسابهم مهارات عالية.
الثانى: التدريبات على صعيد الأمن الداخلى، وله قسمان؛ التدريب الداخلى للخدمة: المجموعة المشكلة من طرف شركة «سادات» من المديرين المتقاعدين، المؤهلين من المنظومة الأمنية للجمهورية التركية، وقوات الدرك. تقوم الشركة بتقديم الخدمات التدريبية، فى المجالات التالية: «الاستخبارات، مكافحة الإرهاب، مواد المتفجرات وتدمير القنابل، الجنايات، دراسة مسرح الجريمة، مكافحة التهريب والجرائم المنظمة، شرطة المرور، جوازات السفر، الأرشفة والتوثيق، حماية الأشخاص المهمين وخدمات الحراسة. إعداد وتجهيز الشرطة: تقوم شركة «سادات» بإنشاء وإعادة تنظيم التشكيلات الأمنية، بواسطة الفريق المؤهل، المشكل من مديرى التشكيلات الأمنية ذوى الكفاءة العالية، ومن كل الجهات التعليمية التابعة للتشكيلات الأمنية، الذين كانوا يخدمون كإداريين وتقاعدوا من التشكيلات الأمنية فى الجمهورية التركية.
بالعودة إلى ما فجر حالة الارتياب الواسعة من تلك الشركة؛ والتى بدأت همسًا فى أروقة المعارضة التركية. بعدما قام أردوغان بعد شهور قليلة من «الانقلاب الفاشل»، الذى نفذه مجموعة من داخل الجيش التركى، بتعيين العميد متقاعد عدنان تانريفردى رئيس شركة «سادات» كواحد من كبار مستشاريه، وحدد له مسمى وظيفيًا هو «مستشار لشئون الجيش». على خلفية طاحونة الانتقام والعصف والسجن الذى أعقب المحاولة الفاشلة، ظل همس الشخصيات التركية فيما بينهم يدور حول المهمة الجديدة للمستشار تانريفردى، ودور الشركة «سادات» فيما يثير من شكوك حول مهمتها الحقيقية، والتى حسب ـ نشاطها ربما تكون عبر تدريب «قوات شبه عسكرية» رسمية، أو غير رسمية، للقتال فى حروب أردوغان المتعددة داخل تركيا وخارجها.
ويقصد المعارضون لأردوغان هنا؛ بعبارة «داخل تركيا»، قتال المنشقين الافتراضيين فى المستقبل. ويقصد بتعبير «الخارج»، تدريب «الإرهابيين، والميليشيات» على القتال فى حروب أردوغان فى دول مثل سوريا والعراق. ويظل الهمس المعارض، يقدر خشية أردوغان من النزعة التوسعية الشيعية، بأكثر مما يخشى من روح المغامرات الانفصالية للأكراد. ولذلك لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد اتخذ أردوغان إجراء آخر لتعزيز دفاعاته عن نفسه ونظامه ومشروعه العثمانى، ضد أعداء الداخل والخارج المتخيلين، فقد كلف «مديرية الشئون الدينية» بإصدار تعميم بتشكيل «فروع للشباب»، تلحق بعشرات الآلاف من المساجد فى مختلف أنحاء البلاد. وحدد هذا التعميم أنه سيبدأ بـ«١٥٠٠ مسجد»، وبموجب الخطة سيصل إلى «٢٠.٠٠٠ مسجد» بها «فروع للشباب» بحلول عام ٢٠٢١، وسيستمر بعدها حتى الوصول إلى «٤٥.٠٠٠ مسجد». فيما أطلق عليه ـ همسًا أيضًا ـ داخل تركيا، أن أردوغان بصدد إنشاء «ميليشيات مساجد» تابعة له شخصيًا، ستلعب مستقبلًا فور تأهيلها وتدريبها عسكريًا، نفس الدور الذى لعبته منظمة «شباب هتلر» التابعة للحزب النازى فى ألمانيا.
هذه افتتاحية؛ لما يدور حول شركة «سادات» بالداخل التركى، لكن الهواجس الأوروبية والأمريكية التى فجرت القضية من البداية، ما زال لها وقائع وحديث أكثر إثارة، نستكمله الأسبوع المقبل بمشيئة الله.