.. وماذا عن الميليشيات الشيعية التى تحارب فى سوريا؟
فى ٧ فبراير على حدود محافظة «دير الزور» فى الشمال السورى، قامت قوات التحالف الأمريكى بقصف جوى ومدفعى لقوة كبيرة. القوة ضمنها مجموعة تابعة للنظام السورى «قوات الدفاع الوطنى»، ومكونات عسكرية أخرى مسلحة بسلاح ثقيل «مدرعات، ومدفعية، ودبابات» تعمل لصالح النظام.. هذه القوة المشتركة كانت تنفذ عملية توغل بغرض الاستحواذ والسيطرة، على منطقة نفطية هى بحوزة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية، منذ تحرير المحافظة بكاملها من قبضة تنظيم «داعش».
أهمية تلك الواقعة أنها أوقعت بالقوة التى كانت تعمل تحت «العلم السورى»، خسائر بشرية فادحة وتدميرًا كاملًا للعتاد العسكرى المدرع، والدبابات الروسية المصاحبة للقوة، مما دفعها إلى التراجع السريع جراء ذلك، تداعت الأحداث فيما بين الأطراف الرئيسية الفاعلة على الأراضى السورية، حتى فسر البعض أن أسبوع «اصطياد الطائرات» الذى جرى فيما بعد هذا التاريخ، ربما هو فى صلب منشئه المتبادل من ملامح هذا التداعى.
أثارت مكونات تلك القوة المهاجمة، جدلًا كبيرًا لدى أجهزة الاستخبارات، التى تتسمع وترقب خطوات التحرك على الأرض، فى ظل فوضى المكونات والمسميات الهائلة، التى يعمل كل منها تحت راية وكفيل بعينه، تابعناها جميعًا طوال أعوام عمر المأساة السورية.. وما أثار انتباه الأجهزة ونقف عنده اليوم هو المكون الميليشياتى الذى يعمل بأمره «الحرس الثورى» الإيرانى، الذى أصبح حاضرًا مع أى تحرك مؤثر لقوات النظام السورى. وأظن تواجد كل من «لواء فاطميون» و«لواء الباقر» فى مكون القوة المشار إليها يفسر استئثار الولايات المتحدة بقرار وتنفيذ الرد العسكرى، الذى استدعى خروجه من العراق، حيث تمتلك الولايات المتحدة القواعد العسكرية القادرة على صياغة هذا الرد.
وهذا يستلزم وقفة قصيرة من أجل التعرف على تلك المكونات الميليشياتية، التى تستخدم اسم «لواء»، وتتشبه فى عملها وتكتيكاتها بـ«الحشد الشعبى» العراقى، الذى تكون من أجل مجابهة «تنظيم داعش». الأول والأكثر إثارة هو «لواء فاطميون» الذى تأسس على يد «على رضا توسلى» الشيعى الأفغانى الجنسية عام ٢٠١٤م. حيث يُعد «توسلى» من الذين وصلوا مبكرًا إلى سوريا، للقتال فى صفوف النظام قبل أن يصبح سريعًا، رجل «قاسم سليمانى» الأول مع نهايات العام ٢٠١٣م، وحينها كُلف بتأسيس الميليشيا بنمط، تحول على إثره لقائد ميدانى بارز.
وصل «لواء فاطميون» إلى ٥٠٠٠ مقاتل أفغانى الجنسية، رغم أن المصادر الإيرانية ترتفع بهذا العدد حيث تدعى أنه يقارب ١٥ ألف مقاتل. استطاع «قاسم سليمانى» أن يوفر لهذه الميليشيا- التى ظلت لليوم تحظى بتقدير بالغ لديه- تمويلًا سخيًا لعناصرها، وعتادًا عسكريًا كان يصلها رأسًا من ميزانية «الحرس الثورى». خاض «لواء فاطميون» معارك شرسة ضد كل من «الجيش الحر» و«جبهة النصرة»، بالتحديد فى محافظة «درعا» الجنوبية وفى حزام دمشق الجنوبى، وفى إحداها عام ٢٠١٥م قتل «على رضا توسلى» فى منطقة كان اللواء فيها يخوض معركة ضد «داعش»، حيث كان «داعش» هو التنظيم الوحيد الذى استطاع هزيمة «لواء فاطميون» فى العديد من معارك الجنوب، دون باقى التنظيمات التى لقيت على يد اللواء هزائم متتالية.
بعد تولى «سيد حسينى» الملقب بـ«سيد حكيم» قيادة اللواء، قام «قاسم سليمانى» بنقل اللواء بكامله إلى الشمال مع منتصف العام ٢٠١٧م، لينفذ مهام قتالية فى محيط البوكمال وبعض من مناطق «دير الزور». وتمركز «لواء فاطميون» منذ هذا التاريخ فى الشمال السورى، ويعد الحارس على طريق الإمدادات القادمة من العراق وصولًا إلى يد الميليشيات الحليفة له، باعتباره وفق تصنيف «الحرس الثورى» هو رأس حربة الميليشيات الشيعية الخالصة التى تعمل لصالح النظام، وإن كان يتلقى تكليفاته كالتمويل تمامًا من قيادات الحرس، بل وله قناة اتصال مباشرة مع «قاسم سليمانى»، حيث تبدو عناصر «لواء فاطميون» هى قوة المهام الخاصة، التى لا غنى عنها بالنسبة لخريطة القتال المعتمدة من الحرس.
المكون الثانى هو «لواء الباقر»، وهو ميليشيا تأسست أيضًا فى العام ذاته ٢٠١٤م لتعمل كرديف للقوات السورية النظامية، لكن مكونها محلى فى أغلبه. حيث تنتمى عناصره التى تقدر بنحو ٢٠٠٠ مقاتل، إلى ريف مدينة حلب، وبالتحديد لقبيلتى «البكارة» و«العسسانة»، ومنها قائد اللواء «خالد المرعى» ومؤسسه الذى صار يكنى بـ«خالد الباقر». هذا اللواء ظلت مهمته الرئيسية منذ تأسيسه التمركز فى منطقة نفوذه بـ«ريف حلب الجنوبى»، فى الوقت الذى كانت فيه التنظيمات السنية تسيطر على محافظة «حلب». أخطر ما جرى منذ هذا التاريخ فى صفوف «لواء الباقر»، أنه كلف بتجنيد واسع للعناصر الريفية المحلية، وجرت داخل معسكراته عملية «تشييع» ممنهجة لمن تم ضمه من أهالى تلك القرى، تحت ضغط الحاجة وتنامى الخطر الذى كان يستلزم الحماية مع توفير مصدر للرزق.
أنفق «الحرس الثورى» بسخاء على هذا اللواء، وتمكن «قاسم سليمانى» من دفع طهران لتوفير تمويل خاص له من جهات دينية فى قم أشرفت على عمليات التشيع التى ظلت هى الذريعة لحجم الإنفاق الذى ذهب الجزء الكبير منه إلى توفير السلاح، وتدبير دخل شهرى لعناصره بلغت نحو «٨٠٠ دولار» شهريًا للمقاتل العادى، وتتدرج لأعلى مع التراتب العسكرى باللواء.
نجح «لواء الباقر» فى معارك اقتحام وقصف مدينة «حلب» وريفها التى جرت فى ٢٠١٧م، بالأخص على المحور الجنوبى الغربى، قبل أن يوجه لها النظام الشكر العلنى على جهودها فى استرداد سيطرته على «حلب»، واصفًا إياها «لواء الباقر» وغيرها من الميليشيات الأقل شهرة، بأنها «القوات الرديفة» التى حققت ما لم يكن النصر سيتحقق من دونها.
هذا ليس كل الحديث، ولا كامل المعلومات لدينا. إنما ظروف المساحة استدعت إشارة عابرة فقط، لكثير من المسكوت عنه، ويعد طرفًا أصيلًا فى تعميق الأزمة السورية التى ما أن تخرج من فصل حتى تواصل السقوط فيما هو أكثر تعقيدًا.