شىء من الوطنية
لا قيمة تعلو فوق قيمة الأمان فى الوطن.. ولا قيمة أكبر من الإخلاص له.. حينما يكون الوطن فى خطر فلا شىء أهم من أن نقف للدفاع عنه.. وإذا كان لكل منا أسلوبه أو وسيلته فى الولاء للوطن.. فإن هناك وللأسف بيننا من لا يعرفون قيمة الوطن ولا يعرفون روعة الإحساس بالأمان على أرضه، ويبيعون أنفسهم من أجل الثراء السريع أو من أجل دول أخرى تدبر لنا المؤامرات والمكائد، وتحيك لنا كل أصناف الضغوط والجرائم والشائعات لتشتيت الشمل وتفتيت النسيج القوى الذى تشكّل عبر آلاف السنوات.
ويقفز إلى ذاكرتى رغمًا عنى هذه الأيام بعض من أجمل الكلمات التى قيلت تعبيرًا عن حب الوطن، قالها لنا أمير الشعراء أحمد شوقى، الذى ربما كثير من شباب اليوم لا يعرفون شعره الذى تربينا عليه وأحببناه.. إن من روائع أحمد شوقى فى حب مصر هذا البيت: «وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى».. لقد نظم أمير الشعراء هذه القصيدة فى ١١٠ أبيات، تحدث فيها عن مصر ومعالمها وبث فيها حنينه إلى رؤيتها، والحقيقة أن كل بيت منها هو انعكاس لشوقه الجارف لها.. بينما كان فى منفاه، وهذا الإحساس لا يعرفه إلا من يحس بقيمة الوطن والعيش فى أمان فيه.
لقد مرت علينا منذ يناير ٢٠١١ وحتى يناير ٢٠١٨، سبع سنوات هى من أخطر السنوات التى مرت ببلدنا من تغييرات متلاحقة وسريعة تتضمن فى داخلها محاولات مضنية ومستميتة لتدمير أم الدنيا.. لكن الشعب صمد وتحمل الكثير، وغالبية أهل مصر على العهد مهما كانت المخاطر.. إننى أقول هذا اليوم لأننى من جيل تربينا على الانتماء لبلدنا والفخر بماضيه العريق والإيمان بأنه من أعظم الأمم على وجه الأرض.. وكانت لدينا أحلام بأنه سيصبح من أعظم الأمم لأنه يستحق ذلك.. لقد تميزت مصر فى عيوننا منذ الصغر بأنها أم الحضارة ومنطلق الفن.
حينما كنا صغارًا كان والدى يأخذنا لزيارة الأهرامات، فكنت أراها كيانًا يجسد معجزة صنعتها أيادى المصريين الجبابرة، وكنا نقرأ ونعرف أنها أولى عجائب الدنيا السبع ونفتخر بهذا، لكن الآن لم تعد القراءة مهمة وضرورية، ولم يعد الآباء يُعلمون أبناءهم منذ الصغر حب الوطن للأسف.. أن يقوموا ببث شىء من الوطنية بداخلهم رغم أهمية ذلك.. إن منطقة الأهرامات لا تزال موجودة وشامخة فى مكانها دليلًا على عراقة تاريخنا، لكن مع الفارق أن منطقة الأهرامات لم تعد ملتقى لزيارات العائلات مثلما كان يحدث عندما كنا صغارًا ومثلما حدث معنا، ولم تعد الرحلات المدرسية تحرص على زيارة الأهرامات للتلاميذ لتبث فيهم أهمية عراقة تاريخ مصر.
إن مصر الوطن هى التاريخ والهرم والهمم المكافحة من أجل لقمة العيش.. هى الصبر الجميل لشعبها رغم المحن.. هى الطفل الصغير المبتسم وسط دخان البشر.. هى أغانى أم كلثوم وسيد درويش وحليم وعمر خيرت.. مصر هى التنوع ورغيف الخبز الأسمر الذى تتقاسمه العائلة برضا ومحبة.. مصر هى العتيدة العريقة التى ترفض الخضوع لأعتى القوى، إنها مصر الصابرة التى لا تركع فى مواجهة المؤامرات.. مصر التى وضعنا لها دستورًا فى سرعة شديدة ولا يزال فى حاجة إلى تعديلات ضرورية.. مصر الصامدة بينما جسدها يئن من تقلبات أهواء بعض أبنائها وغدرهم بها.
مصر المتعَبة التى لم تعرف الراحة منذ سبع سنوات عجاف.. وذلك لأنها تنتفض بمعجزة ثورة حاشدة ضد خفافيش الظلام فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. إنها مصر التى تفاجئها أيادٍ خائنة تغتال جنودها من خيرة شبابها الذين يتقدمون للشهادة طواعية دفاعًا عنها.. مصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى تزغرد فيه أم الشهيد لحظة استشهاد ابنها بينما قلبها يعتصر حزنًا لفقدانه.. إننى أجدنى أتوقف تعبيرًا عن عظمة هذا الوطن اليوم لأن هناك محاولات متجددة لتركيعه لكنه يأبى أن يركع منذ ٧ سنوات عصيبة.. أقول هذا أمام مشهد متجدد لوجوه قبيحة تقف اليوم فى محاولة جديدة لشق الصف مثلما فعلوها منذ ٧ سنوات بمساعدة دول كبرى وأموال لا تعد ولا تحصى، فوجدنا رجالًا ونساءً لا يكترثون إلا لجمع المال، وشبابًا يخون ويبيع الوطن من أجل السيارة والسفر فى إجازات لتركيا أو أمريكا أو أوروبا.
شباب ضائع يريد الثراء السريع ولا يعرف معنى كلمة الوطن، وشباب آخر تمت له عملية «غسيل مخ»، فسار فى طريق القتل وسفك الدماء وحرق المنشآت وسرقة الملفات وغيرها من العمليات التخريبية التى قاموا بها فى يناير منذ سبع سنوات تحت اسم الثورة.. لكنها كانت فى داخلها مؤامرة دولية ما زالوا يغزلون خيوطها العنكبوتية.. لقد استفزنى هذا المشهد الذى بثته بعض المواقع المشبوهة لمجموعة المعارضة الهدامة يقفون ويصطفون لتحريض الشعب على مقاطعة انتخابات رئيس الجمهورية.. نفس الوجوه القبيحة تطل علينا مرة أخرى.. نفس الوقفات الممنهجة والدعوات بالعصيان، لكن هذه المرة هم لا يدرون أن كثيرًا من أقنعتهم الزائفة قد انكشفت، وأن أهدافهم قد بانت واتضحت لغالبية الشعب الصابر.
إن كارهى الأمان لمصر يحيكون مخططات جديدة بمساندة قوى خارجية تغدق عليهم الأموال والثروات بلا حساب.. وهم يقومون بدورهم فى تحريض الشعب على كراهية كل شىء.. إنها وجوه كشفناها ولكن رغم هذا فإنه سيكون علينا نحن الذين يدركون قيمة الوطن أن نواجه هذه المؤامرة الجديدة من خلال السلوك الإيجابى لدحر هذه الخطط الشيطانية.. وأعتقد أن للمرأة المصرية الآن دورًا فى غاية الأهمية لأنها كانت وستظل حائط الصد الأول عن الوطن.. خاصة فى بيتها ومحيطها، فعليها أن تدرك أن لها دورًا مهمًا تقوم به مع كل من حولها، وعليها أن تنتبه إلى أبنائها حتى لا يتم التغرير بهم.
إن المرأة هى حافظة للقيم الأصيلة، مثل الانتماء والولاء وحب الوطن، وهى حافظة الهوية المصرية لأن هذا قدرها وهذا دورها، وسيكون عليها أن تتقدم الصفوف مرة أخرى مع الرجل من أجل استقرار مسيرة الوطن الذى يحتاج إلى وقفتها الوطنية مرة أخرى.. وسيكون عليها أن ترد على الشائعات المغرضة، وأن تقف فى الصفوف الأولى للإدلاء بصوتها فى يوم الانتخابات الرئاسية.. وإذا كان بعض الشباب لا يزال مغررًا به فإنه على كل أم وأخت وجدة وشابة أن تستدعى كل معانى الوطنية وكل حاجتها للأمان والاستقرار لبلدها ولأسرتها لكى تصطف فى يوم انتخابات الرئيس، لنؤكد للعالم أن مصر الصامدة العريقة لا تركع، وأنها ستظل مرفوعة الرأس خلف رئيس اخترناه وسنختاره الفترة المقبلة من أجل استكمال مسيرة البناء والأمان والاستقرار.