نائب الرئيس الأمريكى ومشكلات الأقباط
الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية بمصر
قرأنا اعتزام نائب الرئيس الأمريكى استعداده زيارة مصر لمناقشة مشكلات الأقباط فى مصر مع المسئولين، ولنا رأينا فى هذا المشروع الذى يريد سيادته القيام برحلة إلى الشرق الأوسط، ليس فقط لمصر ولكن لمنطقة الشرق الأوسط وكأن سيادته قد وكل بالتدخل لحل مشكلات الشرق الأوسط، بل العالم كله، ولا ندرى أيًا من الدول أو شعوبها طلبت تستغيث به أو بغيره، وكأن توكيلًا صدر من منطقة الشرق الأوسط ليحل مشاكلها، وبالتالى مشاكل العالم باستثناء الولايات المتحدة التى من أجلها اختير سيادته مع رئيسه لرعاية مصالح بلاده قبل أركان العالم.
أما مشاكل الأقباط، وهم ركن أساسى من المجتمع المصرى أولًا والشرق الأوسط، بل العالم، فلها ظروفها الخاصة، ولدى فئاتهم الوطنية ظروفهم ومتطلباتهم، ولا يعدم وسيلته فى التعرض لها شأنهم شأن سائر المواطنين، فلا عائق أمامهم كمواطنين، وليسوا جماعة تعيش على هامش الوطن، فلهم كل ما لسائر المواطنين من إيجابيات ومشكلات، ولا توجد قوانين أو توجهات لدى قطاع من مواطنى هذه الدول دون غيرهم.
أما الحديث عن مصر بصفة خاصة، والمسيحيين من المصريين بصفة أخص فهم ليسوا فريقًا منعزلًا، لا جغرافيًا ولا سياسيًا، فهم جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى، يقيمون على أرض مصر منذ بداية ظهور عقيدتهم، بل كان للمصريين قبل الأديان الإبراهيمية الفضل فى تأسيس الدولة المدنية قبل أن تظهر على وجه الكرة الأرضيّة معظم دول العالم التى تعرف اليوم وكان آخر من ظهر منها الولايات المتحدة.
ولو نظرنا إلى الخريطة الجغرافية العالمية لأدركنا أنه لا توجد دولة دون مشكلات من أنواع مختلفة، وما لم تقم شعوبها بحل أزماتها فلا نفع لها ولا تنتظر من آخرين معاونتها، فلا مساعدة لوجه الله، كما نقول فى لغتنا اليومية، فلكل فعل رد فعل مساوٍ له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه.
أعود إلى ما أطلق عليه مشكلات الأقباط فى مصر وتطوع القيادة الأمريكية لحلها أو حلحلتها، فواضح أن الأقباط، أو المصريين، لأن تعبير أقباط ينطبق على جميع المصريين، لأن الكلمة وردت من اسم مصر ولا يحق لمسيحييها أن ينفردوا بمصريتهم عن سائر مواطنيها الأقباط المسلمين والمسيحيين، فجميعهم مصريون لهم ما لجميعهم من امتيازات وعليهم جميعًا المسئوليات كما نقول فى أمثالنا «من له الغنم فعليه الغرم». أما المشكلات الحقيقية، التى ظهرت أخيرًا فمن الواجب الدولى والأمريكى كدولة تهتم بالشأن العالمى، ومنها مشكلة المياه التى تطل برأسها على مصر والسودان وإثيوبيا، فهى مشكلة تتعلق بالحياة أو الموت، وقد يجبر الطرف المضار للدفاع عن حياته، أى حياة كل الشعب، وبالتالى لن يقف الطرف المضار مكتوف اليدين إلى أن يموت عطشًا، وهنا كنت أتصور أن الحكومة الأمريكية، بل سائر الشعوب المحبة للسلام التى تدافع عن مبادئ الحريات والحياة الكريمة دون ضرر أو إضرار تهب لتقول لمسئولى النظام الحبشى ومعهم السودان: اجتمعوا معًا حول مائدة مستديرة لترسيخ مبادئ العيش المشترك وضمان حقوق العيش الكريم لسائر دول المنطقة التى تعيش شعوبها على مياه النيل. هنا الموقف الذى نقول فيه لأمريكا وسائر دول الأمم المتحدة من خلال مجلسها وجمعيتها «قفوا يا شعوب حوض النيل معًا وأطلقوا نداءكم حول مائدة المفاوضات لتقروا حقوق الدول التى تعيش منذ أن خلقت على هذه الأراضى كهبة من النيل العظيم لكل الشعوب التى قامت على طول مجراه». هنا نقول لأمريكا ولغيرها من الدول المحبة للسلام «بارككم الله فيما تفعلون فأنتم تطفئون نيرانًا كادت تشتعل ولن يستفيد منها طرف دون غيره».
ومن العدل والإنصاف أن أوجه حديثى ليس إلى الحكومة المصرية بذاتها، فهى لا تألو جهدًا فى إقرار السلام وإنفاذ القوانين والقضاء دون تفرقة أو تحيز، فلنا منصة قضاء يشهد لها القاصى والدانى، ولكن أوجه ندائى إلى القيادة الدينية بمصر، وأخص بالذكر الإمام الأكبر وقد بدأ بالفعل، ولكن الخطوات تحتاج إلى سرعة أكبر لتأتى بثمارها فى أوانه قبل أن يذبل الثمر إذا ما استمر فى تأخيره.
نعم فضيلة الإمام، أنا أعرف ربما أكثر من غيرى توجهك وتقديرك واهتمامك بسلام وسلامة مصر وكل المصريين، ولا شك أنك تتفق معى فى أن هناك خطابًا ظاهره الدين وباطنه مثير لرفض الآخر، أو اللامبالاة به، وفى ظل الأزمات الاقتصادية التى تمر ببعض بلدان المنطقة. وللأسف مصر بما لحقها من ظروف مختلفة تعرضت لهذه الأزمة، وكان منها ظهور الخطاب الدينى الذى بادرتم فضيلتكم بالتوجه لتصحيح مساره، وإن كان تأثير الإصلاح يبدو متباطئًا فى ظروف المجتمع الاقتصادية والثقافية، وانحراف القلة عن مسار الإصلاح الواجب، والعيش المشترك فى السراء والضراء، فأين شعارنا القديم لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى؟!، وها هو المجتمع المصرى ليس به طرف عربى وآخر أعجمى، فلا عجم بيننا، فكلنا من أصل واحد، لو رجعنا إلى سلسلة أنسابنا حتى الوصول إلى الجد الكبير فمن الجدود من بقى على عقيدته وأخ له قد اختار دعوة جديدة وفدت إلى بلادنا.
مرة أخرى أناشد فضيلة الإمام، وإن شاء فليصحب معه من قادة المسيحيين من يدعو للمرافقة والمشاركة فى جولة مصرية لا سيما فى المناطق التى بذاتها تحتاج لكلمة سواء توحد صفوفنا وتؤكد اهتماماتنا إلى العيش المشترك ووحدة الصف لترسيخ مبادئ العدل والمساواة والدفاع عن حاضرنا ومستقبل أولادنا لتبقى مصر دائمًا المعلم والرائد والقائد لسائر الشعوب، لا سيما القريب منا والشريك معنا حول شريان حياة الجميع وهو ماء النيل العظيم.