السلام.. وتعريفه
سلام المجاورات صباح الخير يا جارى، سلام الواجبات، ثم سلام الإخوة والأخوات.. هو غياب العنف والعنف الذى قد يبدأ من البيت أو القرية أو المدينة أو بين الدول وبعضها البعض «كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت..» (متى ١٢: ٢٥).
ما يحدث للبيت والمدينة قد يحدث للدول فى علاقتها مع غيرها، والسلام السلبى هو غياب الحروب والصراعات والعنف المادى أو المعنوى، أما السلام الإيجابى فهو غياب العنف بكل صوره، وتبادل المنافع والعنف، قد يكون ماديًا بالقتل والنهب والحروب والصراعات والاضطهاد، وقد يكون الصراع بين دول متحاربة أو فى داخل الأسرة الواحدة، ومن صوره ما تمارسه الأنظمة أو الشعوب.. وغياب الصراع أو التقاتل ليس سلامًا بالمعنى الإيجابى كالمثل المصرى، «صباح الخير يا جارى إنت فى حالك وأنا فى حالى»، وهو سلام سلبى.
أما السلام الإيجابى، فهو الترابط والانسجام وحب الخير للغير. والمساواة الإنسانية وقبول الآخر المتنوع فى الجنس، رجلًا وامرأة، وفى اللون أبيض وأسود والديانة والعقيدة، والسلام ليس من مفرداته الخوف أو الطمع أو التسلط، والسلام لا يعرف الاستقواء على الآخر بسبب العدد أو المركز أو المال أو أى سبب آخر، ويبدأ السلام من الذات، فمن يملك السلام يسعى جاهدًا لتوزيعه على كل من حوله، أما آفات السلام: فهى التعصب، والتمييز، والتهديد، والطمع، والأنانية «أنا ومن بعدى الطوفان».
غاندى عرف عنه أنه رجل سلام.. ووضع للسلام تعريفًا «هناك لغز دائم أمامى وهو كيف يشعر الناس باحترام أنفسهم عبر إذلال بشر مثلهم، فالذهن الإنسانى غير منقسم الى غرف سياسية وأخرى اجتماعية وأخرى دينية حتى نكون أمام أفعال وردود أفعال تصل إلى العنف والحروب وسفك الدماء بين الأفراد والعائلات وبين الدول وبعضها البعض».
ويمكننا القول إن الحديث عن السلام يبقى كلامًا ما لم نؤمن به ونعمل لأجله.. المتتبع لأحوال العالم يدرك أن الحروب القادمة ستكون حول المياه، التى هى مصدر الحياة، وكأننا نعود إلى العصور الغابرة عندما كان مصدر المياه شريان الحياة حول الآبار وانتقال الإنسان وراء المياه، بل دارت المعارك حول الآبار وطمرها، أو الاستيلاء عليها.
ومن المتابعة لعصرنا الحديث والتنافس حول بناء السدود العالية لتخزين المياه والتى يمكن التحكم بها فى حياة الآخرين، وقد تكون الحروب حول السدود أو بسببها، فبينما تتسابق الدول ذات الفيضانات والمياه العالية لبناء سدود لتخزين المياه للشرب والرى وتلطيف الحرارة وتوليد الطاقة ووقف التصحر، فى الوقت ذاته قد تحجب المياه عن دول أخرى تعيش على ذات المصدر من المياه. وعلى هذا الأمر تجرى المفاوضات بهدف التعاون وضمان وصول المياه إلى كل الدول الواقعة على خط جريان الماء، والبديل هو الحروب من أجل الحياة، وكأننا نعود إلى عصور البداوة، التى كانت بسبب المياه فى الآبار وردمها أو حمايتها فتكون حروب السدود صراعا على ضفاف السلام. وعلى المستوى العالمى يوجد ٢٦٣ نهرًا متنازع عليها وتشكل مناخًا يهدد السلام العالمى.. يضاف إلى أسباب الصراع وتهديد السلام سبب آخر هو زيادة عدد السكان لأسباب كثيرة أهمها التقدم الصحى طبيًا على مستوى العالم، فمع حلول عام ٢٠٤٠ سيكون عدد السكان على ظهر الكوكب الأرضى تسعة مليارات، أى بزيادة قدرها أكثر من مليار ونصف المليار، وسيصبح العجز فى مياه الشرب كبيرًا لا يكفى إلا لسبعين فى المائة من سكان الكرة الأرضية، وسيكون الخطر الأمنى على سباق بناء السدود كما نشعر به الآن فى إقامة سد الحبشة، مع ملاحظة تزايد عدد السدود حاليًا، التى وصل عددها إلى ٤٠ ألف سد كبير، وعلى سبيل المثال بناء سد أتاتورك فى تركيا والخلافات الناتجة عنه مع العراق وسوريا.. وتصريح فلكس هون، الباحث فى منظمة الحقوق الإنسانية، بأن إثيوبيا، أو الحبشة، متعجلة فى تطوير مواردها والانتهاء من السد، الذى سيكون ثالث أكبر سد عالميًا وأعلاها فى إفريقيا، وتبلغ تكلفته ١٫٦ مليار دولار، ويبلغ ارتفاعه ٢٤٣ مترًا.. وتتكرر المنازعات المائية فى جنوب لبنان وطاجيكسان وأفغانستان والهند وكلها مشكلات مائية تهدد السلام العالمى.
يقول الشاعر:
ولئن ندمت على السكوت مرة.. فلقد ندمت على الكلام مرارًا
إن السكوت سلامة ولربما.. زرع الكلام عداوة وضررًا