«القرش والبارة».. نقود وحدت مصر والسودان في عهد محمد علي
عندما جاء الاحتلال البريطاني إلى مصر عام 1882، كانت مصر والسودان دولة واحدة، تحت حكم التاج المصري التابعة للسلطنة العثمانية، ثم أطلق عليها الخديو إسماعيل في أحد فرماناته اسم «السودان المصري»، واستمر الحال كذلك إلى أن اندلعت الثورة المهدية، التي حاولت التواصل مع مصر عن طريق إقامة دولة إسلامية مُتحدة بين مصر والسودان.
وحين سقط مشروع الثورة المهدية، أفسح الطريق أمام دولة الحكم الثنائي «المصري- البريطاني»، فى ذلك الوقت كانت العملات والطوابع البريدية المصرية كلها يتم التعامل بها فى الجنوب، الذى كان جزءًا من القطر المصري.
كانت نظم التعاملات النقدية في أسواق السودان قبل الحكم المصري، تتنوع بين نظام النقد البدائي، المتمثل في المقايضة، والذي تطور في أسواق أخرى في شكل التداول العيني ببعض السلع التي اتفقت عليها القبائل السودانية والتجار، ليتم بها الأخذ والعطاء في البيع والشراء، وبين العملات المسكوكة التي كان التعامل بها يتم في حدود ضيقة.
الكاتب محمد مندور له كتاب يدعى «حكاية عملات مصر والسودان في عهد محمد علي»، أكد من خلاله أنه عندما بدأ محمد علي باشا، ترتيب أوضاع البلاد من الداخل عقب توليه حكم مصر، من قبل الخليفة العثماني، أصدر قرارات بناء الدولة الحديثة التي يكون للحكومة والوالي فيها الحق في التحكم في كل شيء في البلاد.
وكان أهم ما قام به الإصلاح الاقتصادي الذي قام على نظام الاحتكار أو سيطرة الدولة على اقتصاديات السوق، أي أن تقوم الحكومة ممثلة في محمد علي باشا، بتحديد ما يزرع وما يصنع، وتحديد أثمان الشراء والبيع حتى يستطيع أن ينافس في السوق الدولية، أي يمكن اعتباره نوعًا من التوجيه الاقتصادي تحت إشراف الدولة.
واهتم محمد علي، بأمر التجارة الداخلية، إذ احتكرت الدولة شراء المحاصيل الزراعية من الفلاح وتخزينها وترك للفلاح ما يكفيه وأسرته لمدة عام، وفي التجارة الخارجية كانت الحكومة تتولى مهمة البيع للتجار الأجانب في الداخل والبيع في الخارج لحساب الحكومة، بالإضافة إلى احتكارها تجارة الواردات.
ويشرح المؤلف كيف كانت سياسة محمد علي في بناء دولة قوية اقتصاديًا تحتم عليه الاستعانة بقوة عسكرية وجيش خاضع له وحده لحماية دولته، وهو ما دفعه إلى الاهتمام بأمر بناء جيش وأسطول، فالجيش محور سياسته الإصلاحية، وإلى جانب مهمته العسكرية يتولى مهمة العمران في مصر.
ولهذا ربط كل شيء بالجيش، بما في ذلك إنشاء المدارس والمصانع، وكانت سياسات الحكومة المصرية الخارجية قبل تولي محمد علي حكم مصر تقوم على سياسة التبعية، أي أن مصر ولاية تابعة للسلطنة العثمانية، ومن هنا خضعت السياسة الخارجية لأهوائه، بما أنه صار يمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها، ومن ثم بدأ يفكر في الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية.
كانت النقود المتداولة في مصر عند تولي محمد علي باشا الحكم في مصر، في العام 1805، خليطًا من العملة العثمانية؛ ضرب القسطنطينية أو غيرها من دور السك العثمانية، وبعض العملات الأجنبية، بينما تشير الظروف السياسية والاقتصادية في السودان إلى وجود نظم نقدية مختلفة في التعاملات النقدية والمالية التي كان للحكم المصري، تأثيرًا كبيرًا في تغييرها إلى أن صارت السودان تضرب نقودًا باسمها على أرضها عقب الثورة المهدية على الحكم المصري.
النقود التي عرفها السودان قبل الفتح المصري لم تكن لها قيمة ثابتة في الجهات كافة التي تستخدم فيها، وذلك باستثناء قلة من النقود الوطنية في عهد بعض سلاطين الفور أو الفونج، وهي ذات طابع بدائي ومصنوعة من الحديد أو النحاس، وكانت النقود الأخرى عثمانية؛ دخلت من طريق مصر؛ مثل «الخيرية، السعدية، القرش، البارة».
بينما كان فى نفس الطريق فكرة البريد المصري والسوداني، فكان جزءا واحدا، وهو ما يؤكد ذلك وجود طوابع بريد أثناء حكم الملكية فى مصر.