يوم البيجامة المدرسية
من المستغرب بالنسبة لحديثى الإقامة فى الولايات المتحدة الأمريكية، أن تسمع من ابنك أو ابنتك، أن اليوم هو يوم البيجامة لجميع الطلبة والمعلمين، وحتى مديرة المدرسة أو مديرها.. فى اليوم الأخير وقبيل بداية عطلة منتصف العام الدراسى ترى جميع من بالمدرسة، بما فيها من تلاميذ ومعلمين وحتى مديرة المدرسة أو مديرها، يذهبون إلى المدرسة وهم يرتدون البيجامات التى نعرف أنها ترتدى قبيل النوم، فإذ بك ترى الجميع فى طوابير الصباح يرتدون البيجامات.. صحيح أنها نظيفة وفى الغالب تكون جديدة لم تستخدم قبل ذلك اليوم.
ومن المعلوم أن المدرسة لا تتقيد بزى بذاته فى أيام الدراسة، وفى أى من مراحل التعليم، فهم لا يخصصون ملابس تبيعها المدارس أو محلات بذاتها تقوم بإنتاج الملابس، وفق ما تحدده كل مدرسة، كما يحدث فى غالبية مدارس الشرق الأوسط، وكان الهدف من تحديد الزِّى المدرسى، فرض روح المساواة بين الأطفال حتى لا يسبب حرجًا للفقراء، الذين لا يملكون القدرة على مجاراة الأغنياء الذين يتباهون بأغلى الثياب، ما يضع الفقراء فى موقف الإهانة لعدم قدرتهم على مجاراة الأغنياء، وهذا أمر محمود فى دول العالم الثالث، الذى يتنافس فيه الأغنياء فى اختيار أغلى الثياب حين لا يستطيع الفقراء مجاراتهم. أما فى الغرب، وأخص به ما أراه فى الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر مختلف، حيث يستطيع الطفل أن يلبس ما شاء من ملابس دون حرج للآخرين.
أعود إلى يوم البيجامة، ففى اليوم الأخير من النصف الأول من العام تطلب إدارة المدرسة من جميع الأطفال أن يأتوا إلى المدرسة بالبيجامة لا بهدف النوم، فاليوم أقصر من الأيام العادية، كما أن المعلمين ومديرة المدرسة يفعلون ذات الشىء، فالكل يرتدى البيجامات.
ولهذا التقليد رواية منتشرة بعنوان «البرنامج الكامل فى يومك هذا»، وتاريخ الكتاب عام ١٩٨٥ للكاتب كرس فان السبرج، والكتاب يتلخص فى صفارة القطار حيث يسارع الطفل من نومه ليرى القطار الغريب فى رنينه، وإذ بقائد القطار يدعو الطفل وهو فى بيجامته للدخول للقطار دون قيود، وفى القطار يرى أكوامًا من الحلوى، ويطلب منه أن يأخذ ما يريد له ولإخوته بالمنزل عند العودة من رحلة القطار، حيث التنزه مع باقى الأطفال الذين بالقطار وفى ملابس نومهم. واشتهر هذا الكتاب حتى بدأت المدارس فى تنفيذ ما يسمى بيوم البيجامات لكل المدرسة من أعلاها إلى عامليها. وينتظر الأطفال يوم البيجامة بسرور، فالملابس مريحة والحلوى متنوعة يحملها الأطفال فى لفافات جميلة إلى بيوتهم، حيث يتقاسمونها فى المنزل مع إخوتهم من جانب، ومن الجانب الآخر الحرص الشديد، فقد يكون البعض منهم غير مصرح لهم بتناول الحلوى لظروف صحية، فهم يحملونها بدعوى مشاركة إخوتهم وأسرهم فيها، وتجنب مساءلة الإدارة عن تناول ما يكون ضارًا بصحة الأطفال، كما أن الحلوى يحملها الأطفال فى نهاية اليوم الدراسى المخفض ساعاته.
كما تتباهى الجهات والمحلات فى إمداد المدارس المحيطة بها، بأفضل الحلوى المناسبة للأطفال فى يوم البيجامة. ومن الملاحظ أنه فى يوم البيجامة أو ما يسبقه، يتم بيع أكبر قدر من البيجامات وبأفضل الأسعار، حيث تتنافس المحال فى الأفضل والأرخص.
والأطفال فى الأعمار ما بين الخامسة والحادية عشرة، أى مرحلة الحضانة، وهى سنة واحدة وحتى السنة الخامسة والسادسة وفق سعة المدرسة، ففى بعضها تتوقف الدراسة عند السنة الخامسة، وبعدها يكمل الأطفال فى المرحلة المتوسطة من السادسة وحتى التاسعة، ثم ينتقلون إلى المدرسة الثانوية، ومدتها ثلاث سنوات ينتقل بعدها التلاميذ إلى الكليات الجامعية، وجملة سنوات الدراسة ثلاث عشرة سنة.
أما مستوى التعليم فهو جيد، فطفل السنة الأولى بعد سنة رياض الأطفال، يقرأ ويكتب ويتعلم مبادئ الحساب فى الجمع والطرح. وهنا أرجع بالذاكرة إلى أيام أن كنا بالمدارس، ومن السنة الأولى بالمرحلة الابتدائية كنا نقرأ ونكتب، وفى مادة الحساب كنا من السنة الأولى نجمع ونطرح، بل كانت الشهادة الابتدائية شهادة توظف، الأمر الذى قد يجارى نهاية المرحلة الثانوية فى أيامنا وفى بلادنا، صحيح أن الأعداد ارتفعت بطريقة غير محتملة، وساعات الدراسة تآكلت لا سيما فى المدارس ذات المرحلتين، أى مدرستين فى مبنى واحد، والمناهج رغم تعددها وكثرتها، فهى تصعب على المعلم أن يوفيها حقها فى زمن محدود، فضلًا عن حيل المعلم المهدود، كما نعبر بلغتنا اليومية، فالمعلم يعمل فى المدرسة وفى خارجها، والتلميذ كذلك يتعاطى الدروس الخصوصية، وينفق عليها أضعاف ما يدفع فى المدارس الخاصة والعامة.
إننا لا نلوم المعلمين ومرتباتهم متدنية، حتى بعد ما أضيف إليها فى السنوات الأخيرة، فهى أقل من مواجهة الأسعار المرتفعة والمطالب الضرورية، ومع ذلك نحن نتباهى بأن تعليمنا بالمجان، ولا نحسب ما يدفع للدروس الخاصة.. أعود إلى يوم البيجامة، حيث يفرح الأطفال ومعهم معلموهم ومديروهم بالبيجامة، وفى يوم دراسى قصير نسبيًا ومعهم من الحلوى ما يسعدهم. كما تحرص المعلمة على أن تعرف تاريخ ميلاد تلاميذها، فتعد لكل منهم بطاقة معايدة جميلة يعتز بها الطفل، لأنها من معلمته وتحمل عبارتها لتلميذها.. والسؤال: أين نحن من كل هذا فى بساطته وقلة كلفته، ولكن لا ينسى من ذاكرة الأطفال؟.