سيناء على الشاشة.. شاهد مشفش حاجة

مازال الحديث عن علاقة السينما المصرية بسيناء مستمرًا، فقد رسم صناع السينما المصرية فى الألفية السابقة صورة نمطية لأهل سيناء، ولم تتجاوز أحداث الأفلام قصص الحب النمطية والحديث عن أخلاق الفروسية والشهامة والكرم ولم تتفاعل مع مشاكل أهالى سيناء الحقيقية ويومياتهم المعاشة، وقد رسخت السينما صورة البدو الذين لا يقبلون التطور، ويرفضون الأفكار والأشكال الجديدة من أنماط الحياة، وأظهرت علاقة البدوى المضطربة مع كل ما هو مدينى وخاصة كل ما هو تابع للسلطة المركزية للحكومة بالقاهرة، فعلاقة البدو بالسلطات المركزية ورفضهم مساعدة المختصين من القاهرة صورة رسمتها أفلام مثل: «كنوز» 1966 إخراج نيازى مصطفى، تمثيل كوكا وعماد حمدى، نبيلة عبيد.



وتدور الأحداث حول سيطرة أحد الشيوخ على آبار المياه فى الواحة وعرقلته جهود لجنة حكومية لحفر آبار جديدة وتوزيعها بالمجان على المزارعين فى الواحة.

وفيلم «الوادى الأصفر» 1970، إخراج ممدوح شكرى، لشكرى سرحان، فعندما يحل بالقبيلة الجفاف يتزعم شاب من القبيلة فكرة الرحيل والبحث عن الماء فى مكان آخر، ويطلب الشاب مساعدة المهندسين من المدينة رغم معارضة الشيوخ، وتبدأ القبيلة حياة جديدة بعد اكتشاف البترول.

وهناك أفلام لم تركز على البدو، بل كانوا فى خلفية الأحداث وكانت الأحداث تدور فى الصحراء مثل «للرجال فقط» 1964، إخراج عزالدين ذوالفقار، «زوجة من باريس» 1966 إخراج عاطف سالم.

من ناحية أخرى، ربطت السينما دائما بين سيناء والحرب، بين سيناء والعدو.. فجاءت بعض الأفلام المنتجة فى الثمانينيات داخل إطار أفلام الجاسوسية مثل أفلام «أسود سيناء» 1984، إخراج، فريد فتح الله، تمثيل رغدة، شكرى سرحان، وفى هذا الفيلم يُكلف الرقيب «فهد» أثناء حرب الاستنزاف بالعبور إلى سيناء لجمع المعلومات عن القيادة العسكرية الإسرائيلية وهناك يتعرف على الفتاة «مريم».

«إعدام ميت» 1985، إخراج على عبدالخالق، تمثيل، محمود عبدالعزيز، وبوسى، فريد شوقى وفيه يقوم ضابط المخابرات «عز الدين» بانتحال شخصية الجاسوس «منصور الطوبى» الذى يعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية، ومنصور من أهالى سيناء، وعندما يتم تبادل الأسرى يذهب والد منصور لقتله انتقامًا منه لخيانة الوطن.

وفيلم «ضاع حبى هناك» 1982، إخراج على عبدالخالق أيضًا، تمثيل عفاف شعيب، حسين فهمى..حيث تغيب حسين بعد اشتراكه فى حرب 67 وتمر السنوات وزوجته لا تكف عن البحث عنه، وبعد انتصار 73، تسافر الزوجة إلى القنطرة شرقًا للبحث عن زوجها، وتفاجأ به وقد تزوج بامرأة أخرى بعد أن فقد ذاكرته وعندما يلتقيان لا يتعرف عليها.

هذه الأفلام الثلاثة رغم اختلاف مستوياتها الفنية، فإنها الوحيدة التى تعاملت مع سيناء بشكل محدد، وتفاعلت مع الظروف والطبيعة الخاصة لتاريخ سيناء العسكرى.

فى أفلام الألفية الجديدة مثل «اللمبى» و«شورت وفانلة وكاب» و«فتاة من إسرائيل» نشاهد شرم الشيخ، دهب، طابا، المنتجعات السياحية، الفنادق والقرى السياحية، تشاهد المكان، ولا نشم رائحة البشر، أو تتفاعل معهم.. هذه الحالة تذكرنى بما سجلته الكاتبة الأمريكية «آن تيللر» فى روايتها «سائح بالصدفة» عن الكتيبات التى تباع فى المطارات التى تقدم لزوار المدن العابرين لمدة يوم واحد إرشادات عن كيف سيقضون هذا اليوم، وتوضيحًا عن أهم الأماكن.. المطاعم.. محطات الترام.. الفنادق، كل ما يجعل يومك يمضى دون أن تقع فى مشاكل، أو دون أن ترتبط مع هذه المدينة بتفاصيل حميمة، فأنت سائح عابر عليك أن تمضى يومك دون تفكير، وحين ننظر فى تاريخ السينما المصرية وواقعها نجدها تعاملت مع المصريين القاطنين على حدودها فى سيناء وفى الواحات والصحراء الغربية، على الهامش، بعيدًا عن المتن الصاخب بمشاكله ومتغيراته كما تقدم هذه الكتيبات المدن التى تتحدث عنها من خلال أنماط وصور ذهنية ثابتة دون روح أو تواصل حقيقى.

ورغم تحفظاتى على الصورة التى ظهرت عليها سيناء فى السينما فإنه لا يمكن لنا أن ننكر فضل هذه الأفلام، فهى تسجل الكثير من عادات البدو من كرم الضيافة، وحماية الجار وارتداء الملابس التراثية، ولكن سيناء ليست فقط هذا المساحة الشاسعة من الصحراء وقصص الحب العذرى، فالآن هناك موظفون فى القطاعات الحكومية ونساء معيلات يعملن فى مشروعات لتنمية دخلهن وجامعة تنشأ على أراضيها، والسينما المصرية مازالت بعيدة عن سيناء الجديدة.