الإرهاب في ثياب دينية.. خدعة وهمية
لا ينكر عاقل أن الإرهاب فى المنطقة العربية بشكل عام، وفى مصر على النحو الخاص الذى رأيناه فى الحادثتين الأخيرتين يحتم علينا جميعًا التمسك أكثر وأكثر بوحدة الصف من أجل سلامة الوطن وسلامة الشعب بمختلف أطيافه، وكذلك ترسيخ قيم السلام والعدل والحق، والتركيز على أولوية إيجاد حلول عاجلة للمشكلات المادية والتعليمية، كل هذا لن يتأتى أيضًا إلا بتضافر وتكاتف كل القوى، وعلى رأسها المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية.
وفى حديث لوزير الداخلية ذكر أن الإرهاب بمختلف كياناته ومسمياته له أبعاد ومسميات، هدفها غزو العقول الشبابية تحت مظلة الدفاع عن الدين، وهذا يجعل من تجفيف منابع الإرهاب واقتلاع جذوره مسئولية مشتركة تقتضى رؤية مصرية وعربية واعية، بل دولية شاملة تتسع منها الدوائر وتتضافر فيها الجهود الأمنية مع جهود مكافحة الفقر والجهل، وضرورة إحداث تنمية حقيقية وتجديد الخطاب الدينى لنشر مفاهيم الوسطية والاعتدال.
فالإرهاب –كما تابعنا مؤخرًا- ليس مقصورًا على بلد عربى دون غيره من بلدان المنطقة، بل إنه وصل إلى دول أوروبية وأمريكا نفسها.. فأصبح العالم كله الآن على فوهة بركان لا يعلم إلا الله أبعاده وأساليبه.. وهذا يتضح من العنف الذى وصل إلى الأطفال قبل الكبار وكذلك المرأة كما الرجال.. ومن المؤسف أن العالم بات يشير بكل أصابعه إلى منطقة الشرق الأوسط لكون الغالبية الفاعلة فى هذا المجال هم من أبناء المنطقة.
كما أن ما يزيد الطين بلة، هو إسناد الأعمال الإرهابية إلى نصوص دينية بعينها.. ويعلم جميعنا الفرق بين التوجه الدينى فى سائر الأديان الإبراهيمية أو غيرها، والتى تدعو إلى السلام والوئام وتوحيد الصفوف والتعبد للخالق.. لا إلى القتل والتدمير الذى لم يرحم حتى الطفل الرضيع.
يطالب الشيخ عثمان بطيخ -مفتى تونس- بضرورة توحيد الجهود والمفاهيم والمصطلحات فى ظل ما تستهدفه البلاد والعالم بأسره من نزعات نحو التطرّف والإنغلاق وانتشار الإرهاب الذى لا يعترف بالفكر ولا الحوار.. وأشار الشيخ بطيخ إلى أن مواجهة الإرهاب تتطلب التدخل الأمنى لقطع دابر الإرهاب، كما يطالب بنشر قيم ومبادئ التسامح ودعم الوحدة الوطنية للقضاء على الإرهاب.
وهنا تظهر أهمية دور رجال الدين فى هذه المرحلة الخطيرة وضرورة تحملهم المسئولية التاريخية.. ولا نستثنى من ذلك دور الأئمة والوعاظ الذين تفاعلوا مع روح التفاهم وكشفوا خطورة ذلك فى خطب الجمعة، وطالبوا بضرورة نشر قيم التعاون والتكاتف وتجاوز الخلافات ودعم الوحدة الوطنية، كما شرحوا فى بيان لهم أن الدعوة إلى الجهاد مرتبطة بالدفاع عن النفس، محذرين من استخدام العنف بحجة الدفاع عن الدين أو نشره.. وقالوا إن ذلك لا يتم إلا بالموعظة الحسنة.
نضيف إلى ما سبق أن المؤتمر الكبير الذى أقيم فى مدينة شرم الشيخ ركز أيضًا على ضرورة مواجهة الإرهاب العابر للقارات والحدود، وطالب بضرورة تشكيل قوة عربية موحدة لمواجهة هذا الإرهاب، ومن ثم صدر القرار الجماعى برقم ٦٢٨ بتشكيل قوة تدخل سريع بتاريخ ٢٩/٣/٢٠١٥ بإنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومى العربى.. ولكن هذه القوة لم تظهر للنور ولم تقم بواجبها حتى هذه اللحظة.
نحن لا نريد قرارات تتحول مع مرور الوقت إلى مجرد حبر على ورق فى الوقت الذى يتعرض فيه الوطن إلى مؤامرة شرسة، نحن فى حاجة ملحة إلى الاصطفاف الشعبى والقومى مع القيادات المعنية فى جميع مناحى الحياة حتى يعيش المواطن آمنًا مستقرًا فى وطنه، إننا نحتاج إلى الاصطفاف الشعبى قبل الحكومى لنكون جميعًا على قلب رجل واحد حتى نستطيع تخطى هذه الأزمة بسلام.
أخيرًا.. نحن نواجه خللًا حقيقيًا فى تفكير فئة مغرر بها من أبناء هذا الوطن لصالح أعدائه.. خللًا أصاب عقول هؤلاء الإرهابيين ومن يقف خلفهم.. فهؤلاء المعتدون لم يفكروا ولو للحظة أن لهم أبناء وبناتًا فى أعمار الذين راحوا ضحايا هذا الغدر.. سواء فى دور العبادة أو خارجها.. وكيف يكون شعورهم لو كان أحد الضحايا هو ابنهم أو ابنته الذين هم فى عمر الزهور ولم يرتكبوا إثمًا.. ألم يفكر هؤلاء الإرهابيون أن من بين ضحاياهم أيضًا المعلم والمعلمة الذين يعلمون أولادكم الفضيلة ومحاسن الأخلاق ويحسنون معاملتكم؟!.. وهل فكر هؤلاء الإرهابيون ولو للحظة أنهم يسيئون إلى أنفسهم وإلى دينهم ووطنهم؟!.. وهل فكروا ولو للحظة أن للديان عقابه حتى وإن أفتى آخرون بعكس ذلك؟!.. هدى كل من ضل السبيل.. ولا ننسى للحظة أن انتقام الخالق فى مقولة سرمدية «لى النقمة أنا أجازى»، فَلَو سكت العالم وسكتت منصات القضاء.. فالخالق لن يسكت وإن طال الصبر فالانتقام الإلهى أقوى وأسرع.