العنف ضد المرأة عار وخيانة
كاد الرجل أن يُجر إلى قسم الشرطة فى باريس عندما كان يجلس على مقهى فى منطقة (سان ميشيل) الشهيرة وشاهد فتاة سمراء ظن أنه يعرفها، فهى تشبه صديقة له فى القاهرة، وبسبب شدة الشبه بينهما تمعن الرجل وأطال النظر إلى الفتاة مندهشًا من أنها تشبه صديقته كثيرًا، وما هى غير لحظات قليلة ووقفت أمامه الفتاة وهى تتحدث بالفرنسية بغضب شديد، حتى انتبه صديقه المصرى الجالس معه الذى يعيش فى فرنسا إلى خطورة الأمر، وأن الرجل عُرضة للسجن.
تحدث إليها وقال لها إنه مصرى وحضر للسياحة وهى تشبه إلى حد كبير صديقة له فى مصر، ولذلك أطال النظر لا لشىء آخر، انصرفت الفتاة بعد أن طلبت من صديقه أن يُفهمه أن ما فعله خطأ يعاقب عليه القانون ويجب أن يكون حذرًا أكثر من ذلك وأن يراعى قوانين البلاد التى يزورها.
وهكذا فعندما يخطئ رجل فى حق امرأة فى بلاد لديها قوانين صارمة لحماية حقوق المرأة، يُدان حتى من قبل أن تسمع الجهات المسئولة دفاعه عن نفسه، وهو الذى يقع عليه عبء الإثبات والإنكار وليس المرأة، لأنه إذا شكت سيدة أو فتاة من رجل يُدان فورًا ويُقتاد إلى قسم الشرطة ويُحبس، وبعدها يثبت أنه برىء من التهمة، وطبعًا نعرف مشاهير آخرهم «سعد لمجرد»، الفنان المغربى المسجون فى فرنسا على خلفية قضية تحرش بامرأة، وقبله رياضى مصرى شهير دخل السجن فى لندن منذ أعوام لمجرد أنه أطال النظر لسيدة اتهمته بعدها بالتحرش الجنسى وحكم عليه بالسجن سنة. وإنما فى مصر فقد أصبحت المرأة تُنتهك كل يوم ويمارس ضدها العنف بمنتهى الاستهانة، فقد أصبح جسدها مباحًا ومستباحًا، وإذا لم يكن باللمس فيكون بالألفاظ والتلميحات الحقيرة المتدنية التى فى أحيان كثيرة تكون أشد قسوة من اللمس، القسوة والعنف ضد المرأة يكشف انحراف في سلوك المجتمع الذى أصاب المجتمع المصرى المشهور بالشهامة والجدعنة، بعيدًا عما تقوله الكتب السماوية وما تحرّمه الديانات، لأن العادات والتقاليد أثبت التاريخ أنها أقوى من الدين، وفى ظل العادات والتقاليد المعروفة تاريخيًا فى مصر التى كانت ترعى النساء وتحافظ عليهن وتحترم المرأة، ظهر التحرش، وأيًا كانت أسبابه فلن أتعرض لها هنا، وإنما ما جعل الظاهرة تنمو وتتوحش هو عدم وجود قوانين تحمى المرأة وتطبق بشكل صارم، لأن الذى يحمى النساء فى المجتمعات الأوروبية على سبيل المثال هى القوانين وليس التزام البشر.. الإنسان يلزمه قانون يمنع انحرافه، وتطبيقه هو الذى يجعله مواطنًا صالحًا والتهاون فى تنفيذه يجعله طالحًا.. هكذا يقول علماء الاجتماع. والمصيبة الكبرى أننا ليس عندنا ما يصون النساء ويحميهن ضد جميع أشكال العنف التى تُمارس ضدهن، منذ أن حدث التحرش الجماعى فى عيد الأضحى عام ٢٠٠٦ فى «وسط البلد»، ولأنه لم تُسن قوانين وتُطبق وتُنفذ عقوبات رادعة على الجناة، فقد تفاقمت الظاهرة ولم تكن المرة الأخيرة، بل تكرر التحرش الجماعى فى ميدان التحرير مرات ومرات، ومنها التحرش بمن نزلوا للاحتفال بفوز الرئيس السيسى بالانتخابات عام ٢٠١٤، وتم تجريد سيدة من ملابسها وسط الحشد فى الميدان داخل الأجواء الاحتفالية، وكادت تفقد حياتها بسبب تعرضها للاغتصاب وغرس المطاوى والسكاكين فى جسدها، فقد كانت جريمة شروع فى قتل وليس مجرد تحرش جماعى أو اغتصاب.. ولأنه لن تصدر قوانين وتطبق أيضًا فأصبح أسهل شىء فى مصر هو التحرش بالنساء وإهانتهن، يحدث ذلك بمنتهى البساطة بسبب سكوتنا وتهاوننا، ووصل الأمر إلى منتهاه عندما اغتصب رجل طفلة عمرها عامان ترتدى بامبرز، وتم أخذ الثأر فى الصعيد عن طريق تجريد سيدة مسنة من ملابسها وزفها عارية فى الشارع وهى الواقعة المعروفة بـ«سيدة الكرم»، ثم التحرش الجماعى بفتاة خرجت من فرح وكانت ترتدى ملابس تليق بهذه المناسبة فى الشرقية، ولكنها للأسف لا تليق بعقليات مريضة أصبحت تنهش فى جسد النساء بمنتهى الحرية.. ثم وصلت الكارثة إلى حد ضرب النساء فى النقابات والتحرش بهن لفظيًا.. النقابات يا سادة وليس الشوارع هذه المرة، كل هذا بسبب عدم وجود قوانين تحمى المرأة من جميع أشكال العنف وسن القانون هنا ليس كافيًا، بل إن تطبيقه بقوة وصرامة وتصميم هو الذى يحافظ على النساء ضد أى شخص يرتكب خطأ فى حق أنثى أيًا كان عمره.. التحرش بالنساء وضربهن واغتصابهن وإهانتهن هى إهانة «لمصر». كل هذه الجرائم تقول إننا أمام انحراف سلوكى واضح فى المجتمع، تغيير الخطاب الدينى وثورة ثقافية ومجتمعية، إلى آخره لن تفعل شيئًا، أو على الأقل ليس حلًا عاجلًا للمصيبة التى نعانيها الآن، فهو شىء يحتاج إلى سنوات لترسيخ القيم والمبادئ من أول وجديد، وأمور الدين التى تنهى عن التحرش بالنساء وترسخ تكريم المرأة بدلًا من إهانتها، الحل العاجل الآن بعد ما وصلنا إليه هو القانون وتطبيقه ومتابعة التنفيذ، وتوجيه من المسئولين لأقسام الشرطة بأن تحترم وتتعاون مع أى فتاة أو سيدة تدخل القسم لتحرر محضر تحرش، بدلًا من السخرية التى تتعرض لها النساء فى الأقسام من ماركة (ومسكك منين وكنتى لابسة إيه) وجعلها فرجة للموجودين فى المكان، أى أن يُؤخذ الأمر بجدية ويتم التحرك سريعًا للبت فى الأمر. القانون هو الحل الوحيد لحماية المرأة فى مصر وحماية مصر من الانحطاط والإهانة والعار.