علماء كرّسوا حياتهم لإنقاذ البشرية «٢»
أعترف فى بداية بحثى فى العلماء والباحثين والسياسيين الحاصلين على جائزة نوبل أنها أكبر من مجرد علوم وطب، فهى ممتدة إلى كل مناحى الحياة، فمنذ أول احتفال بالحاصلين عليها عام ١٩٠١ فى استوكهولم حيث قدم الجائزة الملك أوسكار الثانى، ملك السويد، لأول من حصل عليها فى الفيزيا والكيمياء والطب والأدب والسلام، وأسماء من حصلوا عليها هم كوبرد روتفن ولاكون هوف وإميليونغ ورينيه سولى وهنرى دوناب مشاركا مع آخر .. أما جوائز ٢٠١٥ فكانت لاثنين فقط، وفى مجالين هما الفيزياء والسلام.
ولما كان تركيزى فى هذا المقال على الحاصلين على جوائز نوبل فى مجال الطب وهو اهتمامى الأول لسبب أن المجالات الأخرى ومنها السلام لم تكن فى أغلبها إلا مؤقتة، ودليلنا هو الاتفاق الفلسطينى- الإسرائيلى، والذى منح ياسر عرفات، الرئيس الفلسطينى، مع بيريز، رئيس وزراء إسرائيل، كلاهما منح الجائزة مناصفة، ولكن لا السلام تحقق ولا الحرية عمت ولا نزيف الدماء توقف.. لهذا كان تركيزى على مجال الصحة والطب والدواء، وبنظرة سريعة إلى الدول التى منح علماؤها الجائزة فى هذا المجال نعرف من أين نجد الاهتمام بالإنسان وصحته قبل المجالات الأخرى.
تأتى الولايات المتحده الأمريكية أعلى قائمة الدول صاحبة الاهتمام بصحة وحياة الإنسان، فعدد الحاصلين على جائزة نوبل فى هذا المجال خمسة وتسعون ونصف جائزة، والمناصفة لا تعنى أنها نصف القيمة، ولكن أعطيت الجائزة لشخص يحمل أكثر من جنسية بجانب الجنسية الأمريكية مثل زويل وغيره.
كما تأتى بريطانيا فى المركز الثانى بعدد تسع وعشرين جائزة، ثم ألمانيا بست عشرة ونصف، وفرنسا بإحدى عشرة، وهكذا تتناقص الأرقام، ومجموع الدول واحد وعشرون دولة، كان آخرها نيوزيلاندا بنصف، مع ملاحظة أن الدول التى فى دائرة الاهتمام بصحة الإنسان كلها بين الولايات المتحدة وأوروبا، أما غيرهما فيمكن القول بتخصصهما فى فنون القتل والتخريب والتنكيل بالإنسان من الأطفال والنساء وحتى كبار السن والمعاقين ، ومن الصور المؤلمة للناجين من الجحيم أطفال اعتدى عليهم لعشرات المرات دون رحمة أو ضمير، وها هم فى أوروبا يعالجون نفسيا وصحيا، ويكفينا أن نسمع الأم التى فضلت موت ابنتها عن أن يتم فيها ما رأته هى بشخصها أو بغيرها، والتجارب التى يرويها القلة من الناجين أو الهاربين بمعنى أكثر دقة يندى لها الجبين، حتى وإن سكتن فالحجارة تشهد، وقد تنطق يوما بالمآسى، أما ما هو الأكثر غرابة أن نسمع من يرفض تكفير هؤلاء القتلة ويصفهم بأوصاف أخرى لا تحرمهم من جنات الخلد ودار النعيم.. أما عدد الجوائز التى منحت باسم «ألفريد نوبل»، صاحب وممول المشروع الأول، فقد بلغ عددها ألفا وثمانمائة وخمسا وتسعين جائزة حتى يومنا هذا.
ومن المصريين الذين حصلوا على هذا التكريم العالمى كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى عام ١٩٧٨ بجائزة السلام مع رئيس وزراء إسرائيل، ثم المصرى الأمريكى أحمد زويل فى الكيمياء دون مشارك معه عام ١٩٩٩ لاكتشافه زمن الفيمتو ثانية، كما وصل إلى تصنيع الكاميرا التى تقوم بتصوير التفاعل الكيميائى، ثم تلاه الدكتور محمد البرادعى عام ٢٠٠٥ فى مجال الحد من استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية وقصر الاستخدام فى أغراض السلم وخدمة الإنسان، كما أراد مانح هذه الجائزة القيّمة ليس فقط فى قيمتها التى تفوق المليون دولار ولكن فى قيمة ما يقدمه العلماء لخدمة الإنسان.
ولعلنا قد سمعنا أو قرأنا عن علم الجيولوجيا الطبية، وهو أحدث العلوم فى وقتنا الراهن، والذى يهتم بالأمراض المنتشرة فى المجتمع ومسبباتها من زيادة تركيز العناصر والمعادن الطبيعية فى جسم الإنسان، ودراسة العلاقات بين العوامل الجيولوجية ومشاكل صحة الإنسان، ودراسة العلاقات بين العوامل الجيولوجية ومشاكل الصحة عند الإنسان والحيوان والنبات، بالإضافة إلى محاولة تأثير هذه العوامل على التوزيع الجغرافى لهذه المشاكل الصحية، ويعكف كثيرون من العلماء فى مجال الصحة على هذه الدراسات بهدف الوصول إلى الحلول لخدمة البشرية. والحديث فى هذا المجال لا ينتهى.. وإلى المقال التالى فى الموضوع ذاته.