هل توجد دولة دينية.. وأخرى غير ذلك؟
الخلط بين السياسة والدين يسىء الفهم لدى المتلقين، فالتعاليم الدينية تصلح لكل الأجيال إذا ما فسرت فى ضوء الحاضر ومتغيرات اللغة ومفرداتها والمعانى ومضامينها، فمثلا من يقرأ سجل الخليقة من سفر التكوين يقرأ أن الله خلق الدبابات، فلم يكن للدبابات الحربية وجود، ما استدعى تعديل الترجمة لتصبح «كل ما يدب على وجه الأرض».
وكذلك يخطئ من يحرف الكلام عن موضعه ومناسبته كمن ينقل جزءا من آية مثل «لا تقربوا الصلاة...» ويترك باقى الآية التى وردت فى سورة النساء، وهى الآية رقم ٤٢ «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون...».
وكذلك عند اقتباس جزء من آية فى الإنجيل دون مراعاة سياقها أو مناسبتها كقول السيد المسيح «مملكتى ليست من هذا العالم...»، فالعبارة صادرة من المسيح فى رده على الحاكم الرومانى المحقق فى الاتهام الموجه من اليهود بأن المسيح يريد أن يكون ملكا لليهود تخلصا من حكم الرومان، وبذلك يكون المسيح متهما بمحاولة قلب نظام الحكم، وبهذا الاتهام قدموا شكواهم ضد المسيح حتى يحكم عليه بالإعدام بتهمة ارتكاب جريمة سياسية، فكان رد المسيح «مملكتى ليست من هذا العالم»، كما حاولوا الإيقاع به سياسيًا عندما وجه اليهود إلى المسيح، السؤال «هل يجوز أن تعطى الجزية لقيصر؟»، متوقعين منه الرفض فيكون مرتكبا جريمة الخروج على النظام، وعقوبتها أيضا الموت، فكان رد السيد المسيح «أرونى العملة التى تتداولونها ولمن الصورة والكتابة؟»، فكان لزاما أن يجيبوا بالقول «الصورة والكتابة لقيصر»، فقال عبارته الحكيمة التى صارت من مفرداتنا «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، وفشلوا فى الإيقاع به.
إذ لم يخلط المسيح بين السياسة والدين، فالسياسة تتغير وفق الظروف والمتغيرات، فقد يكون عدو اليوم صديق الغد، فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، كما نلمس اليوم فيما يدور حولنا ومعنا.
والمسيحية لم تقف ضد الأنظمة السياسية، فاهتمامها الأول والأخير هو الإنسان- أى إنسان وكل إنسان- لتحقيق الإنسانية لمجتمع إنسانى، فحياتنا على الأرض مؤقتة فلماذا لا يصبح المجتمع إنسانيًا، أى صالحًا لكل إنسان فى رحلته الإنسانية، سواء فى العمل أو فى الإقامة، فالكل رفاق رحلة طالت أم قصرت؟!
ولابد من تذكر أن المسيحية لم تقف ضد الأنظمة السياسية لكنها تقف ضد امتهان كرامة الإنسان- أى إنسان- فمن الإنسان جاء تعبير الإنسانية فى كل المجتمع بل فى كل مجتمع، بل تصف الإنسان بأنه غريب فى الأرض لأن وجوده مؤقت مهما طال، لكن ما يجب الاستعداد له هو الموطن الدائم مع مراعاة أن الإقامة المؤقتة لا تعنى التكاسل والإهمال والقصور فى العمل والواجب أو إهمال الأسرة أو التقاعس فى خدمة الوطن والاهتمام بالفقير والمريض والجائع.
ومن روائع تعاليم السيد المسيح أنه قال للسامعين «كنت غريبًا فلم تستضيفونى وكنت جائعا فلم تطعمونى وكنت عريانا ولم تكسونى وكنت محبوسا فلم تزورونى»، فتساءل السامعون: متى يا سيد رأيناك فى هذه الحالات ولم نقدم لك العون؟ فأجابهم: فى الحقيقة أن ما تفعلونه بالفقير والجائع والعريان والمحبوس فبى تفعلون، وما لم تفعلوه من هذه الواجبات فقد قصرتم فى حقى.
إن الإيمان يمتلك القلب والفكر والحواس والأفعال، والتصرفات الحياتية، المعلن منها والخفى، هى سمة من سمات الإيمان. السلوك الدينى يعلن فى العلاقات الحياتية فى البيت كما فى العمل، مع القريب ومع الغريب.
ثم يأتى السؤال: هل توجد دولة دينية وأخرى غير ذلك؟، ويبدو أن السؤال ليس بمثل هذه السهولة، فما هى مقومات الدولة الدينية؟ فالدولة تعبير سياسى يشمل الأرض والنظام الحاكم ونظم الحكم، هل هو ديمقراطى، أى شراكة الشعب فى الحكم بما يعرف بالنظم الديمقراطية، أى حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب، وإن كان الأمر ليس بهذه السهولة، إذ لا يوجد هذا النموذج إلا فى دولة صغيرة هى سويسرا، حيث تستشير الحكومة كل الشعب فى أى تعديلات فى القوانين أو النظم القيادية، ولكن ما هو قريب من شراكة الشعوب هو النظام الشبيه بالديمقراطية من خلال انتخاب الشعب لمندوبيه الذين يتولون الإنابة عن ناخبيهم فى كل ما يعن لهم فى حياتهم، وهو معمول به فى الدول المتقدمة سياسيًا، ومنها الدول الأوروبية وأستراليا وكندا.
لم يخلط المسيح بين السياسة والدين فالسياسة تتغير وفق الظروف والمتغيرات فقد يكون عدو اليوم صديق الغد فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة كما نلمس اليوم فيما يدور حولنا ومعنا