متى تغلق أبواب العنف والإرهاب؟
ذكرت فى مقالى السابق أننى سوف أتعرض لأطول حرب وأكثرها ضحايا، وها أنا أتعرض لحرب ظاهرها التعصب الدينى والدفاع عن العقيدة حتى فى داخل الديانة الواحدة، فالمعروف أن أوروبا شأنها كشأن العالم المسيحى على الكرة الأرضيّة اختلط فيها الدين بالمصالح والسلطة وبالمركز، فكان الحاكم يتقرب إلى القيادة الدينية ليقوى مركزه، إذ كان التعبير الشائع «السلطة مفسدة». فالحرب التى بدأت مع بداية عام ١٦١٨ ولم تتوقف إلا فى عام ١٦٤٨ ميلاديا فى أوروبا، وعرفت بحرب الثلاثين عامًا، زامنت بداية عصر النهضة وظهور تعبير الحداثة، الذى دار حوله الكثير من الحوارات، ففى قلب أوروبا ومركزها كانت ألمانيا موقع القلب من الجسد.
بل أهم دول أوروبا والمحرك للحروب التى شكلت سلسلة طويلة اشتركت فيها غالبية دول أوروبا ولأسباب مختلفة، بما فيها أسباب دينية فى ظاهرها، سياسية فى جوهرها، وشملت العديد من الدول الأوروبية، وكانت الحرب الأخيرة هى حرب الثلاثين عامًا لتنتهى بمعاهدة وستفاليا عام ١٦٤٨، ولكن نتج عن المعاهدة تغيير فى خريطة أوروبا وبصورة نهائية لا رجعة فيها. أما عن مبرر هذه الحرب، التى راح ضحيتها الملايين من البشر، سواء من الجيوش النظامية أو المرتزقة، حتى انخفض عدد سكان ألمانيا بنسبة ثلاثين فى المائة من عدد السكان، وغالبية القتلى هم من الرجال، وبلغت الخسائر فى مناطق أخرى نحو نصف عدد الرجال، وفى مواقع أخرى بلغ القتلى ثلثى عدد الرجال، فقد دمر الجيش السويسرى وحده ألفا وخمسمائة مدينة وعشرين ألف قرية حتى رفع الشعار «إعادة إقامة ألمانيا من جديد» بعد أن انخفض عدد السكان من عشرين مليونًا إلى ثلاثة عشر ونصف المليون، أغلبهم من النساء اللاتى صرن غالبية السكان مع ندرة فى أعداد الرجال حتى سمح للرجال أن يتزوج الواحد بامرأتين بسبب الظروف غير العادية، كما سمح للكهنة غير المتزوجين بالزواج.
والسؤال الذى يطرح نفسه هل بسبب العقيدة الدينية يموت الملايين من البشر فتترمل النساء ويتيتم الأبناء ويحرق اليابس مع الأخضر، أم هى فى الحقيقة أطماع فى السلطة وفى الجاه وفى حب الامتلاك؟.. وفى عجالة تقتضيها المساحة ووقت القارئ أضع أهم الأسباب لاشتعال هذه الحرب:
١- رغبة إسبانيا فى احتلال جزء من الأراضى الألمانية حتى يعود النفوذ الكاثوليكى على ألمانيا.
٢- شعور فرنسا بالتهديد، حيث كانت محاطة بدولتين توسعيتين هما الإمبراطورية الرومانية وإسبانيا، لذلك سعت فرنسا لبسط نفوذها وسيطرتها على الولايات الألمانية الأضعف منها.
٣- رغبة السويد والدنمارك الخارجتين من الكنيسة الكاثوليكية فى السيطرة على الولايات الألمانية الشمالية المطلة على بحر البلطيق.
٤- رغبة الإمبراطور الرومانى الكاثوليكى فى السيطرة على الولايات الألمانية التابعة له.
٥- رفض الأساقفة الذين تَرَكُوا العقيدة الكاثوليكية إلى البروتستانتية تسليم ولاياتهم للكاثوليك، كما نص «صلح أغسبرج».
٦- ضرورة انتشار العقيدة الجديدة فى الولايات الألمانية والتى لم تكن طرفًا فى الصلح.
٧- تخوف الأباطرة الرومان من نفوذ حكام إسبانيا ورغبتهم فى التوسع على حساب الإمبراطورية الرومانية الكاثوليكية.
أما السؤال الذى يطرح نفسه على العالم الحديث شرقه وغربه وشماله وجنوبه وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط، هو ألا نأخذ من الماضى الدروس والعبر لا سيما فى عصر تقاربت فيه الأمم، ليس من داخل إقليم جغرافى، بل من داخل العالم الذى أصبح قرية واحدة- يبحث العلماء عن كيفية غزو القمر لاستيعاب الزيادة السكانية المهولة؟. ألا يحتاج العرب للتواصل مع الغرب، لا بفكر الغزو والاحتلال، فقد مضى ذلك الزمان، وأصبح الغزو الحقيقى هو العلم والاختراع ورفاهية الإنسان وتقديم أفضل وسائل علاجية للأمراض التى تنتشر فى الدول الفقيرة، أو بتعبير أكثر رقة بما سميناه العالم النامى، وفى الواقع أنه ينمو عددًا ويزداد فقرًا ويتباعد ثقافة، ويحلم بزيادة الإنجاب حتى ارتفع عدد أطفال الشوارع والباحثين عن فرصة للعمل فى أى بقعة من العالم، حتى ولو على حساب الكرامة وصون الأرواح؟.
أما السؤال الذى يطرح نفسه فهو هل تتعلم دول العالم الثالث، ومنطقتنا العربية على وجهٍ أخص، من أخطاء الآخرين، فلا نكرر ما وقع فيه غيرنا؟.. لقد قامت هذه الدول لتعترف بالخطأ، بل بغباء الحاكم والمحكوم الذين غرقوا فى بحور الدم من أجل الدفاع عن عروش أو أفكار بعيدة كل البعد عن الإنسانية والعلاقات الربانية، بل هى لأطماع تسلطية، فيأتى آخرون ليكرروا أخطاء احترق بها هؤلاء، ولا نسمع من يحذر بالقول «انتهى الدرس....»؟.