أين نحن من التسامح فى مصر والشرق الأوسط؟
لقد تناولت، فى مقال سابق، سبع مواد من وثيقة اليونسكو، وسنقصر الحديث فى هذا المقال على المادة الثامنة التى تتحدث بالتفصيل عن اختيار ممثلى هذه اللجنة من الدول الأطراف التى بينها نزاعات أو خلافات، سواء ظاهرة ومعلنة أو غير ذلك، إنما تتبين أمام مواطنيها والدول المتنازعة أو الغاضبة أو المشجعة لأعمال العنف، وإن كان غير معلن بصفة رسمية ولكن الاختلافات التى تصل إلى حد الخلاف، وإن لم تعلن فى صيغة حروب منظمة، ولكنها واضحة فى الإعلام الموجه، وقبول المعارضين، وفتح أبواق الإعلام الذى يهاجم بكل البرامج التى لا تساعد على جمع الشمل ولا تدعو للسلام، بل تعلن رضاها عن كل عمل يروح ضحيته ليس فقط جنود محاربة بل مواطنون آمنون لا دخل لهم فى أسباب الخلاف المثار حتى سقط القتلى من الأطفال والنساء وهم يصلون متعبدين، لم يعتدوا ولم يسلبوا، ولم يجوروا على غيرهم.
أما الأمر الآخر الذى لا يمكن إنكاره وإلا كنا كالنعام الذى يحاول الهروب من الصياد بدفن رأسه فى الرمال حتى لا يرى شبكة الصياد، متخيلاً أنه قد هرب من الصياد، وفى الحقيقة أنه قد سهل للصياد مهمته- فهو أن أعمال العنف والقتل التى أحصيت فى نحو ثلاث سنوات قد بلغت أكثر من ألف عملية، راح ضحيتها العدد الكبير من المدنيين الذين لا يحملون سلاحًا ولا يناصبون أحدًا العداء، هذا بخلاف الجنود الذين يدافعون عن الوطن، ويسقطون فى أعمال وصفت بالإرهاب، وليس بحروب معلنة، يعرف فيها الجنود من المدنيين، وأسباب النزاع. والمشكلة الحقيقية التى لا تتحدث عنها الجهات الرسمية فى دول المنطقة أن ما تجرى من أعمال عنف ليست إلا حربًا لها من يمولها ومن يقدم السلاح ويفتح أبواق إعلامه، وفى الوقت ذاته الجهات الرسمية يغسل مسئولوها أيديهم من الدماء، ويتركون أبواقهم مفتوحة للدعوة للمزيد من إراقة الدماء. كما يبدو أن القادة فى هذه المنطقة المشتعلة لا يبدون استعدادًا لوقف هذه الأعمال التى يموت فيها الكثيرون، بل نسمع التشجيع المعلن والتمثيل غير المعلن، والضحايا هم الأبرياء والبسطاء حتى وصل الاعتداء إلى دور العبادة لقتل الأطفال والنساء حتى سمع النواح والبكاء، وفى المقابل كان الفرح والغناء وكأنهم قتلوا مسلحين مهاجمين من الأعداء فى غير خشية أو حياء.
إننى كإنسان أتألم على قتل أو إصابة أى شخص من أى جانب، لأننا لسنا أمام حروب بين دولة وأخرى، بل خلاف سياسى، أو حول موقع أو منصب، وهذا لا تعالجه إراقة الدماء، بل تعالجه الحوارات العاقلة، والخلاف السياسى لا يعالج بالقتل، بل بالحوار، وتبادل المقاعد، والتعلم من الأخطاء حتى وإن وقعت، والكراسى متحركة لا تدوم لأحد، وتبادلها يتم بالأصول المرعية وليس بالحروب الدموية ودفع البسطاء للتعجيل بحياتهم فى سبيل قتل آخرين والكل خاسر.
وبعد هذه المقدمة أقدم للقارئ المادة الثامنة من وثيقة اليونيسكو التى تضم جميع دول المنطقة التى تدور فيها رحى المعارك غير النظامية التى تستند إلى خلافات سياسية، وليست منازعات على أرض محتلة أو ما يشبه ذلك، ولما كنت قد أشرت إلى المواد السبع فى مقال سابق فأكتفى بالمادة الثامنة فى هذا المقال، مع أملى أن يفيق المهاجمون ويركنوا إلى أساليب تتفق مع روح العصر واحترام إرادة الشعوب فى اختيار حكامها، ومبدأ تداول السلطة، إذ مضى زمن الكراسى الدائمة فى غالبية دول العالم.
المادة الثامنة: 1- تنشأ لجنة تسمى لجنة القضاء على التمييز العنصرى تكون مؤلفة من ثمانية عشر خبيرًا من ذوى الخصال الخلقية الرفيعة، المشهود لهم بالتجرد والنزاهة، تنتخبهم الدول الأطراف من بين مواطنيها، ويخدمون بصفتهم الشخصية، ويراعى فى تشكيل اللجنة تأمين التوزيع الجغرافى العادل، وتمثيل الألوان الحضارية المختلفة، والنظم القانونية الرئيسية.
٢-ينتخب أعضاء اللجنة بالاقتراع السرى من قائمة ترشحهم دولهم، ولكل دولة من الدول الأطراف أن ترشح شخصا واحدًا من مواطنيها.
٣- يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتوجيه رسالة إلى الدول الأطراف لتقديم مندوبيها فى كشف يحوى الأسماء والدول التى يمثلونها، وفى اجتماع اللجنة الأول يختار أمينًا عامًا لهذه اللجنة فى اجتماعهم بمقر الأمم المتحدة ويكون الاجتماع قانونيًا بحضور ممثلى ثلثى دول الأطراف على الأقل وذلك لاختيار أمين عام لهذه اللجنة من بين الأعضاء المرشحين من دول الأطراف.
٤- تكون مدة عضوية هذه اللجنة أربع سنوات أو بانتهاء المهمة مع ملاحظة شغل موقع من يخلو لأى سبب، على أن يكون من يشغل موقعه من الدولة ذاتها، وتتحمل الدول الأطراف نفقات الأعضاء أثناء مدة عملهم.
وقد يتساءل القارئ: وهل نحن فى حروب دولية حتى نطبق هذه القواعد؟ وهذا ما سنتناوله فى مقال قادم إذا استمرت الأوضاع على ما نحن عليه، وإن كان الأمل والرجاء أن يجتمع حكماء وقادة منطقتنا على كلمة سواء لحقن الدماء، والاحتكام إلى العقل والمنطق وحرية كل دولة، لا سيما أن المشترك بينها أكثر من الخلاف، وإن وجد الخلاف فهو شأن داخلى، بل حتى إن وجد خلاف حول بعض الحقوق المتنازع عليها فليس مجاله الغضب والتراشق، بل نحكم العقول والقوانين والوثائق، الأمر الذى يُبين الحق الذى لا يختلف عليه أحد، ولنقدم للعالم الذى يشاهد عن قرب كيف يعالج العرب مشاكلهم فى قالب حضارى وقانونى، إذ ليس بيننا طامع فى غير ما يملك إلا بالحق الدامغ الذى تقرره الوثائق والمستندات، وما ضاع حق وراءه مطالب، فلننتظر مراجعة المواقف والقانون والأدلة الثبوتية، ولا يتحقق الأمر بالكلام أو الأصوات العالية أو التلويح بأى من الوسائل الأخرى التى لا تتفق مع مبادئنا ولا روابطنا ولا تاريخنا الذى لا ينكره عاقل حكيم.