ترامب.. الثقب الأسود الذى سيبتلع العالم

يتابع ملايين البشر فى العالم مراسم تنصيب الرئيس الأمريكى الخامس والأربعين دونالد ترامب، والكل يترقب قدرة الرئيس الأمريكى على تنفيذ وعوده وتعهداته التى قد تغير خريطة العالم، وينقسم الشعب الأمريكى بين مؤيد ومعارض لرجل قد يكون أول رئيس أمريكى تنظم المظاهرات الحاشدة ضده حتى قبل توليه السلطة، ودون انتظار نهاية فترة المائة يوم التى يمنحها الشعب الأمريكى لرئيسه لترتيب البيت الأبيض وبعدها ينتقد الشعب الرئيس ويكيل لسياسته اللكمات، لكن ترامب الذى فاجأ العالم بنجاحه على منافسته المخضرمة هيلارى كلينتون جاء للبيت الأبيض محملا بخصومه، الذين لن يقتصروا على الداخل الأمريكى، فقد استطاع ترامب أن يثير غضب الكثيرين من قادة وشعوب العالم الفرنسيين، الألمان، الصينيين، الفلسطينيين، كل يشعر بالحنق والتحفز ضد ترامب.

فى وسط هذا الصخب قد يتساءل المرء عن قواعد الحياة. وكيف يستمر تيارها فى التدفق لدى بعض الأفراد ليمنحهم كل ما يريدون، فى حين تنضب حياة البعض وتقتصر على مجرد تكرارات عادية مملة لنمط روتينى معلب يعيشه معظم الناس.

حين أبحث فى ذاكرتى عن صدى لاسم دونالد ترامب قبل ترشحه للرئاسة، لا أجد غير صور دونالد ترامب على أغلفة المجلات الفنية والاجتماعية الأمريكية - كنت أترجم أخبار وموضوعات المشاهير - كرمز لنزوات وبذخ البليونيرات.. قضية طلاقه الشهيرة من زوجته الأولى عارضة الأزياء التشيكية الأصل «إيفانا ترامب» والتعويض الضخم الذى حصلت عليه جراء طلاقهما عام 1993 بعد زواج استمر ستة عشر عاما أنجبا خلالها ثلاثة أبناء دونالد الابن، وايفانكا، وإيريك.. الفضائح الجنسية ثم زواجه الأخير عام 2004 من عارضة الأزياء السلوفينية «ميلانيا».

خلف هذه الصورة الساذجة، السطحية.. يقف حوت يدير امبراطورية ترامب التى تعمل فى مجالات الاستثمار العقارى وفى مجالات الطيران والترفيه والإعلام، وتقدر مجلة فوربس قيمة هذه الإمبراطورية بـ 4 مليارات ونصف المليار دولار فى حين يعلن دونالد أن ثروته 10 مليار دولار. ويبدو إنه ما من طريق إلا وسلكه ترامب لتحقيق النجاح والتواجد والشهرة حتى إنه ظهر فى العديد من الأفلام السينمائية مايزيد على 12 فى أدوار صغيرة جدا بشخصيته الحقيقية فى أحد عشر فيلما أشهرها : GHOSTS CANT DO LT الذى حصل على جائزة الجولدن جلوب لأسوأ ممثل مساعد عام، وHome Alone 2: Lost in New York عام 1992 وكان آخرها ظهوره فى فيلم Wall Street: Money Never Sleeps عام 2010 وقد تم حذف مشهد ترامب من نسخة العرض السينمائى ولكنه ظل موجودا على أسطوانات DVD، كما أن دونالد مقدم برامج تليفزيونية ناجح جدا وقدم البرنامج الواقعى «The Apprentice» (المبتدئ) على قناة  NBC، وبدأ البرنامج بالحصول على أجر قدره 50 ألف دولار وارتفع إلى 3 ملايين دولار للحلقة مما جعله مقدم البرامج الأعلى أجرأ فى العالم. وقد ترك البرنامج فى موسمه الخامس عشر بسبب ترشحه للرئاسة وحل محله النجم السينمائى وعمدة ولاية كاليفورنيا أرنولد شوارزنيجر.

تقريبا لا يوجد نشاط يمكن أن يمنح المرء مكانة وشهرة إلا وكان لترامب يد طولى فيه فإلى جانب تقديم البرامج ينضم ترامب بجدارة إلى نادى الرؤساء مؤلفى الكتب حيث قدم للمكتبات حوالى 16 كتابًا كلها تندرج تحت تصنيف كتب «التنمية البشرية» أو كتب نقل الخبرات مثل : فن التعامل (1987)، البقاء فى الأعلى (1990)، فن البقاء على قيد الحياة (1991)، فن العودة (1997)، الرابح: كيف تصبح غنيا (2004)، فكر مثل الملياردير: كل ما تحتاج لمعرفته عن النجاح، العقارات، والحياة (2004)  لن أستسلم ابدا: كيف واجهت أكبر التحديات فى النجاح  (2008).

يبدو ترامب كرجل شره للحياة يمتلك الكثير من الحيوية، القدرة على التجدد والعمل المتواصل لا يشبع من الشهرة، كثقب أسود قادر على امتصاص كل ما يعرض عليه من أضواء، إنه «شومان» رجل العرض ومن أجل الاحتفاظ بهذه الأضواء وهذا الصخب والجدل المثار حوله سيفعل كل ما لا يمكن أن يتصوره أحد، وقد تكون على يديه نهاية التحالف الأمريكى الأوروبى ونقل العاصمة الإسرائيلية للقدس، وفيما يستمتع دونالد ترامب بإنجازاته، نكتفى نحن بمتابعة العروض الفنية على الشاشات أيًا كان حجمها.