فى رحاب جامعة القاهرة
فى الرابع والعشرين من أكتوبر 2016 كنت فى طريقى إلى جامعة القاهرة للانضمام إلى زميلاتى من السيدات الفضليات لمقابلة الأستاذ الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة للتعبير عن تحيتنا وتقديرنا ودعمنا لمواقفه وقراراته الشجاعة والجريئة التى تضع حجراً فى بناء دولة مصر، الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة مما يعنى استرجاع الجامعة لمكانتها وتاريخها كمنارة للثقافة والإبداع فى كل مجالاته وما إن وطأت قدماى أرض الجامعة، وأمام قاعة الاحتفالات الكبرى ازدادت دقات القلب واختلطت المشاعر: الشجن والفرح والأمل والذكريات عندما التحقت بكلية الصيدلة فى 16 أكتوبر عام 1971. وكانت الدراسة فى إعدادى صيدلة فى كلية العلوم بالحرم الجامعى. هل تتصورون معى؟ خمسة وأربعون عاماً مرت على التحاقى بالجامعة، وها هو مشهد الماضى يتجسد أمام عينىّ.الآلاف من الطلاب يحتشدون أمام قاعة الاحتفالات بقبتها الشهيرة، وتنطلق الأصوات العالية من حناجرهم مطالبة بالحرب على الأعداء الصهاينة لاسترداد الأراضى المصرية المحتلّة عام 1967 ولاسترداد الكرامة. وأصوات مطالبة بالحريات والديمقراطية: حرية النشر والتعبير وإصدار الصحف وتكوين الأحزاب، وأصوات مطالبة بمحاربة الغلاء وارتفاع الأسعار والمطالبة برفع الأجور والمرتبات ومحاسبة ومحاكمة «القطط السمان» وهو التعبير الذى تم إطلاقه على كبار التجار الفاسدين الذين حققوا ثروات فاحشة بكل الطرق غير المشروعة.
توالت الذكريات: انتفاضة يناير 1977 التى قام بها كل الشعب المصرى فى جميع أرجاء مصر وفى القلب منهم الطلبة ضد غلاء الأسعار بقرار من رئيس الجمهورية فى 17 يناير وفق مبدأ العلاج بالصدمة تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد الدولى. جامعة القاهرة، والتى كان طلابها فى مقدمة صفوف الشعب للدفاع عن الكرامة وعدم التبعية والحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هل تعود إلى مكانتها؟ دار الحوار والنقاش مع دكتور جابر نصار وطال لأكثر من ساعتين بين الوفد المكون من 22 سيدة من المثقفات والكاتبات والسياسيات والصحفيات وأساتذة الجامعات والشخصيات العامة، وتناولنا أهم قرارات دكتور جابر نصار فى إطار بناء دولة المواطنة وعدم التمييز داخل الجامعة، وتمنينا أن تتخذ كل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها المؤسسات التعليمية والبحثية قرارات لإرساء تعليم يقوم على المعرفة وتنمية المهارات والقدرات الإبداعية واستخدام المنهج العلمى فى التفكير وترسيخ الانتماء الوطنى.
لقد توافرت الإرادة السياسية لدى الدكتور جابر نصار لإيمانه بحرية الجامعة واستقلالها فاتخذ عدة قرارات منها قرار منع تأمين الجامعة عن طريق قطاع الأمن بوزارة الداخلية وإحلال الأمن الإدارى محله ويتبع إدارة الجامعة. ومنها أيضاً العمل على نشر الثقافة فى مواجهة الإرهاب فأشعة شمس التثقيف والتنوير ستكون الرد على الأفكار الظلامية الرجعية. ومن هنا كان قرار إغلاق الزوايا التى انتشرت فى الجامعة من أجل الصلاة وسط أماكن العمل لكى تكون بؤرة للمتطرفين، وبدلاً منها أقام مسجداً كبيراً للطلاب وجامعاً كبيراً للطالبات. ثم جاء قراره بمنع المنتقبات من التدريس، لأن التدريس يحتاج إلى تواصل بين القائمين عليه والطلبة والطالبات، فكان قراره الشجاع، الذى لم يفرض على المنتقبات خلع النقاب سوى أثناء عملية التدريس.
وعرفنا أثناء الحديث أن الجامعة أطلقت مسابقة لقراءة كتب وتحليلها تحت اسم (فكر، حلل، انقد، اكسب). هذا غير اهتمامه بالنشاطات الفنية لإطلاق إبداعات الشباب وصقل مهاراتهم مع عمل بروتوكولات للتعاون مع وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة والهيئة العامة لقصور الثقافة، وأخيراً وليس آخراً القرار الشجاع الذى ينحاز إلى الدستور المصرى ولمبادئ المواطنة وعدم التمييز بإلغاء خانة الديانة فى كل الأوراق الخاصة بالتعامل داخل الجامعة، حتى لا يتم التمييز بين الطلاب على أساس الديانة، وذلك وفقاً لنص المادة 53 من الدستور المصرى «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى».