سيف الله المسلول.. الذي حول الخمر إلى عسل والسم إلى شراب
شخص كان يرى أن حياته ابتدأت بمصافحة ومبايعة، فجميع ما مضى من عمره لم يكن إلا هباء منثورا، فوهبه الله فضلا من المستحيل أن يزول، ولذة لا يمكن أن تجاوزه، إذ حبب إليه الجهاد، فأصبح سيفا من سيوف الله في أرضه، إنه خالد بن الوليد.
ولد خالد لعائلة من أسياد قريش، فوالده هو الوليد بن المغيرة أحد صناديد قريش، وأمه هي أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، جرت الفروسية في دمائه منذ الصغر، فأصبحت شجاعته منقطعة النظير، وداهية لا يمكن الانتصار عليها.
كانت غزوة أحد بداية التعارف الفعلي بين المسلمين وخالد بن الوليد، فهو الذي حول نصرهم إلى هزيمة، وغنائمهم إلى خسارة، بفراره بجيشه من أرض المعركة ومهاجمته للمسلمين من الخلف، فعلمهم درسا لا يمكن أن ينسى بأن الحرب ما هي إلا مكيدة ودهاء.
وكان شهر صفر هو ميعاد خالد الذي لا يمكن أن يخلفه للخروج من غياهب الكفر إلى نور الإسلام، في صحبة اثنين من أجود من أنجبتهم الأرض هم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن طلحة، لتفقد قريش بذلك فلذات أكبادها.
لاقاه الرسول بوجه طلق عند قدومه لمبايعته وإشهار إسلامه، تعبيرا عن فرحه، إذ رأى فيه خيرا أبى أن يضيع بعدم الدخول في الإسلام، ليطلب من الرسول أن يستغفر الله له خشية أن تكون ذنوبه حائلا دون تحقيق ذلك، فدعا له بقوله "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك".
بدأت حياة خالد في الجهاد مع غزوة مؤتة، والتي نجا فيها بجيش المسلمين من هلاك بَيِّن، فها هم فرسان الإسلام زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله يذهبون للقاء ربهم، تاركين راية الإسلام دون قائد، ليكون خالد هو المختار.
وخلال توليه للقيادة، ألهمته قريحته إلى تغيير نظام الجيش، فجعل مقدمته مؤخرته، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة، كما أمر المسلمين أن يحدثوا جلبة ويثيروا الغبار، حتى يتوهم الروم أن المدد أتاهم ، فخافوا من مهاجمة المسلمين، فانسحب الجيش المسلم بأمان.
وشهد خالد بعد ذلك عدة معارك منها فتح مكة وعزوة حنين وحروب الطائف، ليكون دوره الأهم في حياة الخليفة أبو بكر الصديق، في حروب الردة، إذ كان له دور كبير في درء تلك الفتنة والقضاء عليها، حيث ألحق هزيمة ساحقة بـ "طليحة" أحد مدعي النبوة، وهناك أيضا مسيلمة الكذاب، أكبر المتنبيين.
وبعد أن تلاشت تهديدات المرتدين، حمل خالد على عاتقه محاربة الفرس والروم لكسر شوكتهم، وإبعاد خطرهم عن حدود الدولة الإسلامية، ففي العراق حقق انتصارات كبيرة على الفرس، أما الروم فكانت الشام هي موضع هزيمتهم.
اشتهر بن الوليد بأنه أحد الأولياء من أصحاب الكرامات، حيث يحكى أنه قد أتاه رجل ومعه خمر، فدعا خالد الله أن يحوله إلى عسل، فحدث ذلك، كما أنه شرب السم في إحدى المرات دون أن يمسه سوء بعد أن دعا "بسم الله خير الأسماء رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه داء" .
وحال الموت دون تحقيق سيف الله لأمنيته في أن يموت في ساحة الجهاد شهيدا، فمات على فراشه بعيدا عن سيفه ورمحه، اللذين كانا أعز رفيقين له، لتجسد آخر كلماته مدى حزنه "لقيت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعن برمح، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي ، فلا نامت أعين الجبناء".