المصالحة مع الإرهاب والفساد خيانة
... والذى أطلق عليه قانون تحصين العقود التى تكون الحكومة أحد أطرافها، أو تحصين الفساد، والذى يسلب حقاً أصيلا للموطنين المتضررين من إهدار المال العام فى التقاضى أمام المحاكم لحماية ثروات البلاد. الخطيئة التى نحن بصددها ياسادة هى القانون رقم 16 الصادر فى 12 مارس الماضى الخاص بتعديل بعض الإجراءات الجنائية الخاصة بالاختلاس والرشوة والغدر والعدوان على المال العام. هذا القانون فى مادته «18 مكرر ب»، والذى أعدته لجنة الإصلاح التشريعى، هو قانون يبيح التصالح فى جرائم الاعتداء على المال العام. وفى نص القانون يكون التصالح بلجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء. ملحوظة: لقد تم فى الفترة الأخيرة قرار بتشكيل اللجنة. وتقوم اللجنة، بعد التصالح بين هذه اللجنة مع المتهم الذى بدد المال العام، ويتم تحرير محضر يعرض على مجلس الوزراء لاعتماده. ولا يكون التصالح نافذاً إلا بهذا الاعتماد. ويعتبر الاعتماد بمثابة توثيق رسمى وبدون رسوم «!» ويكون لمحضر التصالح فى هذه الحالة قوة السند التنفيذى.
ويتولى مجلس الوزراء إرسال محضر الصلح إلى النائب العام، وبعد إخطار النائب العام تنقضى الدعوى الجنائية. أليس هذا يا سادة اعتداءً على السلطة القضائية؟ بل هو سلب لاختصاص القضاء بقضايا المال العام. ويضيف القانون أيضا أنه إذا كان قد صدر بشأن جرائم الاختلاس والرشوة حكم بات ونهائى من القضاء يتقدم النائب العام بوقف تنفيذ الحكم، ويعرض على محكمة النقض وغرفة المشورة ويصدر أمر بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً. ويمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين حتى إذا كانوا ينفذون الحكم بالسجن أو بغيره، وحتى إذا لم يكونوا قد تقدموا بطلب التصالح!
يعنى هذا القانون معناه يا سادة «جلا جلا جلا جلا تعال اسرق وأجر ياوله» هذا القانون إخلال بالدستور الذى ينص على الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. إن صدور هذا القانون يهدد مصداقية النظام القضائى، بل النظام الدستورى بأكمله لأنه يعتدى على المواد الخاصة بالباب الرابع من قانون العقوبات. كما أن هذا القانون مخالف لكل الاتفاقيات التى انضمت إليها مصر: اتفاقية الاتحاد الأفريقى لمكافحة الفساد، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وأيضا اتفاقية الاتحاد الأوروبى لمكافحة الفساد، واتفاقية العهد الدولى الخاصة بحقوق المواطن فى رقابة المال العام.إن صدور القانون 16 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض الإجراءات الجنائية جريمة تنضم إلى بقية الجرائم الموجودة فى القانون 17 لسنة 2015 الصادر فى نفس الليلة المظلمة 12 مارس سنة 2015، والخاص بالاستثمار. فهو يعطى أيضاً سلطات لرئيس مجلس الوزراء بمقتضاها يستطيع إعطاء وتخصيص أراض، بل وتمليكها، وإعطاء مزايا إعفاء من الضرائب، ومزايا تحمل الدولة تكاليف المرافق الخاصة بالمشروعات لمن يشاء من المستثمرين.
إننا بصدد قوانين خاصة بامتيازات للمستثمرين على يد السلطة التنفيذية استمراراً لسياسات النظام المخلوع الذى ثار عليه الشعب المصرى، وما أعنيه هو تغول وتغلغل السلطة التنفيذية، وتزاوج السلطة ورأس المال، الذى أدى بسياساته إلى خراب البلاد وذل وفقر العباد وانتهاك الحريات. هو إحنا يا سادة ما بنتعلمش؟ لن يسمح شعبنا بالخديعة مرة أخرى. إن المصالحة مع الفاسدين ناهبى المال العام لا تقل خطورة عن دعوات المصالحة التى تثار الآن من جديد مع الجماعة الإخوانية الإرهابية، التى تستبيح دماء المصريين يومياً، وتقوم بالاعتداء وتدمير مؤسسات الدولة من محطات كهرباء وخطوط أنابيب الغاز، والاعتداء على الطرق ووسائل النقل. الجماعة الإخوانية وأخواتها من الجماعات السلفية والجهادية والتكفيرية والداعشية وكيانات دعم الشرعية الضليعة فى تنفيذ مخطط إنهاك الجيوش العربية وتفتيت الدول العربية وفى القلب منها مصر. تلك الجماعة التى صدر بخصوصها عدد من الأحكام، وكان آخرها إدانة قياداتها، وعلى رأسها الرئيس المعزول محمد مرسى، بتهمة التخابر مع منظمات خارجية اتفقوا معها على التعاون فى تنفيذ أعمال إرهابية داخل البلاد بغرض إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة المصرية، مما يؤدى إلى الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى. جماعة لا دين ولا وطن ولا أخلاق ولا انتماء. ونرى الآن نشاطاً محموماً من أعضاء الجماعة بالتنظيم الدولى، ومنهم زعيم تنظيم النهضة بتونس راشد الغنوشى، والذى يسعى لتوسيط السعودية للمصالحة بين الجماعة والنظام الحاكم فى مصر