فتوح الشاذلى يكتب .. الطريق إلى القصر
لم يكن طريق الملك سلمان إلى قصر الحكم بالرياض مليئاً بالورود؛ لكنه كان طريقاً ملبداً بالغيوم خاصة في الفترة الأخيرة من حكم الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز.
دخل سلمان قصر الحكم السعودي في أبريل 55؛ حيث تولى إمارة الرياض، التي تقع في أحد أدوار قصر الحكم المهيب الذي تم تشييده على هيئة قلعة وأبراج شامخة.. استمر سلمان أميراً لمنطقة الرياض أكثر من 50 عاما بنى خلالها عاصمة المملكة وتحولت من بلدة يسكنها 200 ألف نسمة إلى واحدة من أجمل عواصم العالم العربي يسكنها 5 ملايين نسمة.
وفي نوفمبر 2011 تولى حقيبة وزارة الدفاع خلفا لشقيقه الأمير سلطان رحمه الله.. وفي العام التالي وتحديدا في 18 يونيو أصبح سلمان ولياً للعهد ونائباً لرئيس الوزراء خلفاً لشقيقه الأمير نايف رحمه الله.
إلى هنا والأمور طبيعية حيث وصل سلمان إلى ولاية العهد بالطريق الطبيعي وخلف شقيقه سلطان في وزارة الدفاع وشقيقه نايف في ولاية العهد والثلاثة من الجناح السديري وهو جناح الحكم القوي في المملكة الذي كان يسعى الملك عبد الله إلى تحجيمه.
كان بداية انقلاب الملك عبد الله على النظام المعمول به وهو "الترتيب العمري" عندما أصدر أمرا ملكيا في أكتوبر 2006 بتأسيس هيئة البيعة لتعالج موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة وتحقيق الاستقرار وضمان المستقبل.. هذا هو الهدف الظاهري الذي أعلنه الديوان الملكي عن تأسيس الهيئة التي تشكلت من 35 من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.
لم يكن موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة في حاجة لمعالجة ولم تكن الأوضاع تستدعي هيئة بيعة لتحقيق الاستقرار وضمان المستقبل.. ولكن كان نظام البيعة مجرد خطوة على الطريق أعقب ذلك تحجيم الجناح السديري وإبعاده عن مفاصل الدولة والدفع بأبناء الملك عبد الله في مواقع استراتيجية كخطوة استباقية لما هو قادم.. وأعتقد أن هذا القادم الذي كان يتم الترتيب له لم يكن يعلمه سوى القليلين من بينهم التويجري كاتم أسرار الملك ورئيس ديوان الحكم والأمير نايف الذي وصف الهيئة عند تأسيسها أنها استشارية فقط وكان في هذا التصريح إشارة إلى أنها غير ملزمة ولا تحظى بقبول الجميع ورسالة أيضا أنه لن يسمح لهذه الهيئة أن تعوق وصوله لولاية العهد.
وفي أعقاب تأسيس البيعة قام الملك عبد الله بتحجيم أولاد سلمان وسلطان والدفع بأبنائه الأربعة إلى مواقع استراتيجية: تركي أميرا للعاصمة السياسية الرياض ومشعل للعاصمة الدينية مكة ومتعب وزيرا للحرس الوطني وعبد العزيز نائبا لوزير الخارجية.
اكتملت منظومة الملك عبد الله باستحداث منصب ولي لولي العهد وتعيين الأمير مقرن في المنصب المستحدث في مارس 2014 ليصبح الملك سلمان أول ولي عهد في تاريخ المملكة يكون له ولي وهذا كان له دلالات كثيرة وإشارات واضحة.
أراد الملك عبد الله من وراء اختياره الأمير مقرن أن يحقق هدفين؛ الأول أن يغلق الباب أمام الباقين من أبناء الملك عبد العزيز المؤسس ليفتح الباب أمام الأحفاد وتحديدا أمام نجله متعب وزير الحرس الوطني، والثاني أن يضمن ولاء ولي ولي العهد لأن اختيار مقرن واجه اعتراضات كثيرة بعضها يتعلق بالجذور والآخر لتخطيه إخوة آخرين أحق منه بالمنصب ولهذه الاعتراضات يكون فضل الملك عبد الله علي الأمير مقرن عظيما.. وبالتالي سيكون الولاء الأبدي للملك ولأبنائه من بعده.
الغريب أن الأمر الملكي بتعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد كان أغرب أمر ملكي في التاريخ، حيث تضمن مبايعة الأمير مقرن ولياً للعهد في حال خلو المنصب وعدم جواز تعديل الأمر أو تغييره أو تأويله ولم ينقصه سوى جملة واحدة أنه لا يجوز الاقتراب من هذا الأمر حتى لو نزل ملك من السماء.
كان الهدف من كل هذه المنظومة هو تغييب الملك سلمان بعد شائعات المرض التي روجوا لها وإبعاده طوعا عن الحكم الذي كان أحق به من عبد الله نفسه لأنه الابن الروحي والخليفة الحقيقي للملك فهد رحمه الله ولولا شرط السن ما انتظر سلمان كل هذا .. المهم كان المخطط أن يغيب سلمان ويصعد مقرن الذي يتولي مع التويجري تنصيب متعب وليا للعهد.. تلك كانت أمانيهم .. ولكنهم لم يعلموا أن الله قضى وقدر أن يكون الملك سلمان خادما للحرمين، وأن الله سيمكن للرجل الذي افتروا عليه ويوفقه في تغيير وجه المملكة في الـ100 يوم الأولى لحكمه.